تنظيم نشاط الباعة المتجولين
الوصال - خلفان الطوقي
لم أجد أحدًا يُطالب بوقف نشاط الباعة المتجولين كُليًا، لكن هناك مطالب مجتمعية بتنظيمه وتقنينه، وهناك أسباب عديدة ترى أنه حان الوقت لأن تُكمل الحكومة مساعيها، وضرورة تكرار ما تقوم به بلدية مسقط في بعض مناطق العاصمة؛ حيث خصصت مساحات مجهزة للباعة المتجولين، مثل ما هو حاصل في "قرية المشاوي في ولاية العامرات"، أو سوق السيب، وغيرها من المواقع، وأهمها مشروع الموالح الذي سوف يكون مجهزًا بعربات متطورة وأنيقة بها شوايات ومغاسل، وأماكن خاصة لتجهيز الأطعمة، وغيرها من خدمات وكهرباء وماء، وجلسات ومواقف وأماكن مخصصة لألعاب الأطفال، ومماشٍ ومساحات خضراء، ومداخل ومخارج سهلة، وقريبًا سوف يتم الإعلان عن مواقع في الخوير وبوشر والمعبيلة ومطرح وغيرها.
بكل تأكيد أن من يطالب بتنظيم نشاط "المطاعم المتنقلة"- إذا جاز التعبير- سواء الحكومة أو المجتمع، فللكل أسبابه الجوهرية وأهمها:
- المنافسة العادلة: فكثير من أصحاب المحلات المُستأجَرة يرون أنهم أمام منافسة غير عادلة مع أصحاب العربات؛ فهم يدفعون الإيجار والتراخيص ومصاريف الصيانة الدورية والضريبة والعمالة المُسجلة قانونيًا، والرسوم الحكومية للإيجار والكهرباء والماء وغيرها من المصاريف الثابتة.
- المنظر الجمالي (الحضاري): إذ إن انتشار هذه العربات أمام الأحياء السكنية والمساجد وفي الحواري يزيد من تشويه المنظر الحضاري والجمالي ويزيد التلوث لأي منطقة، وعدم تنظيم النشاط الآن قد يجعل الأمر مُعقدًا في المستقبل وخارجا عن السيطرة، والضرر سيكون أعقد وأعمق على المجتمع مع مرور الأيام.
- الرقابة الصحية: وجود عدد من عربات البيع المتجولة في مكان واحد ومجهز يُسهِّل مهمة الرقابة الصحية حفاظًا على صحة المرتادين، فعلى سبيل المثال في حال حدوث حالات تسمم - لا سمح الله- ستكون هناك مرجعية للمحاسبة؛ سواءً للموظف المختص أو العربة المخالفة للاشتراطات الصحية.
- المطالبات المجتمعية: تجد الأحاديث في المجالس تطالب بأن نرى عُمان أجمل وأرقى وأكثر تطورًا وخالية من التشوُّهات المُزعجة هنا وهناك، وعليه فإنه لن يتأتى ذلك إلا من خلال التنظيم، ومن ضمنها وأهمها نشاط الباعة المتجولين.
- الإشراف الحكومي: لا نقصد هنا الرقابة الصحية فقط، وإنما الرقابة العمالية والبيئية؛ فتراخيص هذه المهنة هي في الأصل للعُمانيين وباشتراطات مُعينة، ووجود هذه العربات في مواقع مُخصَّصة ومُعيّنة من جهات الاختصاص يسهل مهمة الإشراف عليهم، ومعرفة المطبق للمعايير المطلوبة، والمخالف منهم، ودعم المطبق، وملاحقة المخالف.
- العوامل البيئية: عدم الإشراف ووضع ضوابط من الجهات المختصة قد يُعرض المجتمع للخطر؛ فالعوامل البيئية مثل الغبار والشمس والرطوبة تعرض هذه المنتجات من لحوم أو فواكه أو خضراوات أو مشروبات ساخنة وباردة إلى تلف وتلوث، ومعالجة ذلك يكون بالقرارات الوقائية، بنقلهم إلى أماكن نظيفة وصحية آمنة.
- حركة السير: انتشار هذه العربات في الحواري وتطاير الأدخنة منها في الشوارع المكتظة يزيد من إعاقة حركة السير، مما يزيد من سخط الناس، عليه، فلابُد من تواجد هذه العربات في الأماكن المناسبة.
- القيمة المضافة: وجود ساحات مُنظَّمة ومُتطوِّرة ونظيفة مُجهّزة بما تم ذكره أعلاه، يجعلها قيمة مضافة للمواطنين والمقيمين والسياح ومتنفسًا للعوائل، إضافة إلى إحساس العاملين في هذه العربات بوجودهم في مكان راقٍ وجذاب.
- المنافسة والتكامل فيما بينهم: وجود هذه العربات في أماكن مُوحَّدة يجعلهم في منافسة بعضهم البعض بشكل مستمر لتقديم منتجات مختلفة وذات جودة عالية، وبأسعار تنافسية لصالح المستهلكين، ومن ناحية أخرى يشجعهم على التكامل فيما بينهم ليتمكنوا من جذب مزيدٍ من المستهلكين.
- دعم حكومي إضافي: بجانب تسويقهم لمنتجاتهم ومزاياهم التنافسية، فإن وجودهم في مكان واحد يُمكِّن كل الجهات الحكومية من دعمهم بتسهيل الإجراءات أو التسويق لهم، أو منحهم مزيدًا من الخدمات، خاصةً وأن هذا مطلب مجتمعي وتوجه حكومي، مع العلم بأن بلدية مسقط بالتعاون مع هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومعهد متخصص يعكفون على إعداد برنامج تخصصي لتدريب هؤلاء الباعة لضمان اتباع أفضل الممارسات لسلامة الغذاء.
بالمختصر.. لا أحد ضد نشاط الباعة المتجولين؛ بل معهم، لكن الجميع مع التنظيم، حال تنظيم نشاط سيارات الأجرة أو نشاط تعليم السياقة؛ فالجميع يريد أن يرى عُمان أجمل وأرقى، واقتصادها صلبا وأقوى، وشبابها في تقدم ورخاء، ويعيش نهضة مُتجددة.