الدكتور أحمد المقبالي لـ«الوصال»: حين تُفهم العبودية وعيًا ومحبةً تنتهي أسئلة القلق ويستقيم طريق الإنسان
هدايات
الوصال ــ تناول الدكتور أحمد المقبالي، في حلقة جديدة من برنامج «هدايات»، موضوعًا فكريًا عميقًا يتصل بجملة من القضايا المتشابكة التي تمس علاقة الإنسان بربه، مبيّنًا أن عنوان الحلقة يمكن أن يندرج تحته أكثر من ملف معرفي وروحي، في مقدمتها إعادة النظر في مفهوم العبودية بوصفه امتدادًا لمفهوم العبادة، لا نقيضًا له.
العبادة والعبودية.. فرق جوهري
وأوضح أن الحديث في هذه الحلقة جاء استكمالًا لموضوع سابق تناول مفهوم العبادة، غير أن الطرح الحالي يركّز على مفهوم موازٍ وأكثر عمقًا، وهو مفهوم العبودية، مبيّنًا أن العبادة في معناها العملي تتمثل في الوظائف التعبدية التي يؤديها الإنسان، من صلاة وصيام وزكاة وسائر الطاعات، بينما تعبّر العبودية عن الحالة الشعورية الداخلية التي يعيشها الإنسان في صلته بالله تعالى.
الحالة الشعورية لا الممارسة الشكلية
وبيّن أن العبادات الظاهرة ليست غاية في ذاتها، بل هي روافد تغذي حالة العبودية في القلب، فإذا لم تُثمر تلك الحالة الشعورية من الاتصال بالله والمهابة له، فإنها قد تؤدي إلى تناقض داخلي لدى الإنسان، حيث يؤدي الطاعة من حيث الشكل، دون أن تنعكس آثارها على سلوكه ووجدانه.
غاية الخضوع وغاية المحبة
وأكد أن العبودية الحقة تقوم على معنى دقيق عبّر عنه العلماء بقولهم: «غاية خضوع مع غاية محبة»، موضحًا أن الإنسان لا يكون عبدًا لله على الحقيقة إلا إذا جمع بين الامتثال لأوامره والانتهاء عن نواهيه، وبين محبة صادقة وإقبال قلبي عليه، لأن الالتزام المجرد من المحبة، أو المحبة غير المترجمة إلى طاعة، كلاهما لا يحقق المعنى الكامل للعبودية.
حين تتحول العبودية إلى إشكال
وانتقل الدكتور أحمد المقبالي إلى طرح الإشكالية الرئيسة للحلقة، متوقفًا عند عنوان عريض أسماه «التمرد على العبودية»، متسائلًا عن الأسباب التي تجعل الإنسان – رغم إدراكه أنه عبد لله – يرفض بعض الأوامر الإلهية أو يحاول تبرير هذا الرفض، معتبرًا أن هذه المرحلة تُعد أخطر من مجرد التقصير، لأنها قد تقود إلى مسارات فكرية ونفسية معقدة.
العبودية تكريم لا تقييد
وأوضح أن أحد أبرز أسباب هذا التمرد هو سوء فهم جوهر العبودية، إذ ينظر إليها بعض الناس على أنها قيد أو انتقاص من الحرية، في حين أن حقيقتها تكمن في كونها تكريمًا للإنسان، لأنها تلبي حاجة فطرية عميقة لديه، تتمثل في الشعور بوجود قوة عظمى يلجأ إليها في لحظات الضعف والانكسار، وهو ما يصنع التوازن النفسي والروحي.
الإنسان بين القوة والضعف
وأشار إلى أن الله تعالى خلق الإنسان ضعيفًا، وهذا الضعف لا يتناقض مع ما وصل إليه من تقدم علمي وحضاري، لأن كل ما امتلكه من علوم ومعارف إنما هو علم مكتسب، محدود، لا يحيط بمآلات الأمور ولا بما سيحدث في المستقبل، مؤكدًا أن هذا القصور المعرفي دليل على مركب الضعف في طبيعة الإنسان.
العقل وحدوده الطبيعية
وتوقف الدكتور عند قضية العقل، موضحًا أن الاعتداد المبالغ فيه به قد يقود إلى خلل خطير، حين يُطلب منه تفسير كل شيء، حتى ما هو من نطاق الوحي، مشيرًا إلى أن هذا التكليف فوق طاقته، ويقود الإنسان إلى الإرهاق الفكري والتوهان، وقد ينتهي به إلى فقدان البوصلة الروحية.
حين يُؤلَّه العقل
وأضاف أن بعض الناس وصلوا إلى مرحلة جعلوا فيها العقل مرجعية مطلقة، بل إلهًا يُعبد من دون الله، متناسين أن هذا العقل نفسه مخلوق من خلق الله، وأن الخالق أدرى بمصلحة الإنسان من هذه الأداة المحدودة، مستشهدًا بقوله تعالى: «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير».
من الحيرة إلى التوهان
وبيّن أن الإنسان عندما يُحمِّل عقله ما لم يُهيأ له، يسير في طريق قد ينتهي به إلى حيرة فكرية وتيه روحي، وهي حالة إذا لم تتداركها ألطاف الله قد تقود إلى دوامات نفسية عميقة، تُعد أحد أسباب انتشار الإلحاد بصوره المختلفة.
الإلحاد السلبي.. ظاهرة معاصرة
وأكد أن كثيرًا مما يُسمّى اليوم إلحادًا ليس إنكارًا حقيقيًا لوجود الله، وإنما هو ما يمكن وصفه بـ«الإلحاد السلبي»، حيث يسعى الإنسان إلى تبرير انحرافاته وسوء أفعاله عبر الخروج من المنظومة الدينية، لا عن قناعة فكرية راسخة، بل هروبًا من الشعور بالذنب ورغبة في التحرر من القيود الأخلاقية.
أزمة الأسئلة الوجودية
وأوضح أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش طويلًا وهو محاط بأسئلة وجودية بلا إجابات، لأن هذا الشعور يولّد قلقًا عميقًا قد يدفع البعض – عياذًا بالله – إلى إنهاء حياته، في حين أن المسلم يمتلك إجابات واضحة مصدرها الوحي، ما يمنحه توازنًا نفسيًا ومعنويًا.
الوحي مصدر الطمأنينة
وأشار إلى أن الوحي هو الذي أجاب عن أسئلة المصير والمعنى والحياة والموت، وجعل الإنسان المسلم أكثر قدرة على التعايش مع الابتلاءات، مؤكدًا أن الشعور بالعبودية ليس قيدًا، بل ضرورة فطرية تحفظ للإنسان اتزانه الداخلي.
أسئلة الكوارث والابتلاء
وتطرّق إلى تساؤلات طُرحت عقب بعض الكوارث، كزلزال تركيا، حين سأل البعض: «أين الله مما يحدث؟»، موضحًا أن هذه الأسئلة غالبًا ما تصدر عن صدمة عاطفية، ورغبة في فهم ما لا يمكن للعقل وحده إدراكه، رغم أن نصوص الوحي زاخرة بالإجابات المتعلقة بالابتلاء والحكمة الإلهية.
بين العقل والوحي
وشدّد على أن شريعة الله لم تعطل العقل، بل دعت إلى التدبر والتفكر، غير أن الإشكال يقع حين لا يضع الإنسان كل أداة في موضعها الصحيح، فيحاول بعقله اقتحام مجالات الوحي، بدل أن يسلّم ويذعن لما اختص الله به نفسه.
العبودية طريق الاتزان
وبيّن أن العبودية حين تُفهم على حقيقتها، تُورث السكينة والرضا، وتمنح الإنسان قدرة على مواجهة الحياة دون صراع داخلي، لأن الإيمان بحكمة الله وعدله يُنقذ الإنسان من الحيرة والاضطراب.
خاتمة المعنى
وختم الدكتور أحمد المقبالي حديثه بالتأكيد على أن التمرد على العبودية ناتج عن سوء فهمها، وعن استخدام غير منضبط للعقل، داعيًا إلى إعادة ترسيخ هذا المفهوم بوصفه أساس التوازن النفسي والفكري، وضمانة لحياة مستقرة المعنى، بعيدة عن التشتت والتوهان.
لمتابعة حلقة «هدايات» عبر الرابط التالي:
تابع قناة الوصال عبر الواتساب واطّلع على آخر الأخبار والمستجدات أولاً بأول.
للانضمام:


