الوصال - يُسلِط المؤلف يحيى بن حمدان الصارمي في كتابه "مرتكزات التحصيل الدراسي؛ من مرآة للتعليم إلى عدسة للتعلم" على مجموعة من الأفكار التطويرية في المجال التعليمي التي تستند على التقييم الشخصي لواقع الممارسات والمستجدات التي عايشها في إطار عمله الرسمي بوزارة التربية والتعليم في سلطنة عمان، ونتاج حصيلة تحليلية لبعض الدراسات البحثية التي نفّذها أو شارك فيها وما أطلع عليه محليا ودوليا من تجارب تعليمية، موضحا كيفية توجيهها نحو تحقيق جودة التحصيل الدراسي بأدواته المختلفة ومؤشراته الإحصائية من أجل الرقي بالنظام التعليمي على مستوى الوطن العربي عامة.

وبلور الصارمي في كتابه الصادر عن مؤسسة اللبان للنشر مجموعة أفكاره تلك على هيئة رؤى وتساؤلات وتوصيات ضمنية بين ثنايا محتويات مرتكزات الكتاب العشرة الموجهة بشكل اساسي للمختصين في مجال التدريس ومراقبة التحصيل الدراسي وتقويم التعلم وكذلك لصنّاع القرار والمخططين والمهتمين بالقطاع التعليمي بشكل عام، بما يُمثّـِل خُلاصة التجارب المدرسية وكأحد نتاجات المؤسسة التعليمية العمانية بما يحمله من تحليلات ومناقشات علمية عميقة ومؤشرات إحصائية دقيقة محلية وعربية ودولية حول مستوى جودة عناصر التعليم والتعلم، وكيفية تطويرها وتوجيهها كمرتكزات للتحصيل الدراسي.

ويشير المؤلف إلى أن تلك الرؤىقد يتفق معه في خلاصتها البعض وقد يختلف معه آخرون، إلا أنه في المقابل هناك نقاط التقاء مشتركة تجعل القائمين على العملية التعليمية يؤمنون بأهمية مؤشرات التحصيل الدراسي وارتباط مصداقيتها بالنتائج التراكمية لمستويات أداء المتعلمين لكي تحقق دورها في حماية النظام التعليمي من التفسيرات الجزئية والأحكام العامة سلبية كانت أو إيجابية التي في الغالب لا تقدم الصورة الدقيقة لمدى فاعلية جميع مكونات العملية التعليمية، وقد يترتب على ذلك الانشغال والتركيز على النجاحات الوقتية والانبهار بنتائجها المحدودة جدا وتأجيل الإجراءات الحاسمة الأكثر أهمية للعلاج الفوري للإخفاقات العامة والمتكررة وتجاهل مسبباتها.

الكتاب ينقسم إلى عشرة مرتكزات حيث يعتبر التحصيل الدراسي الرابط الضمني الذي يوصل بين محاورها وتلتقي حوله مرئياتها لتتبلور الفكرة الرئيسية التي يترجمها عنوانه من أجل التعمق في تفاصيل رحلتيّ التعليم والتعلّم لتحديد احتياجات المتعلم والحكم على إنجازه، وذلك وفق التالي:

فالمرتكز الاول يسلط الضوء على "إعادة هندسة تقويم التحصيل الدراسي للطلبة في الوطن العربي؛ من مطرقة مركزية التقويم إلى سندان التقويم الموضوعي" الذي يعتبره المؤلف الوعاء الرئيس لمحتوى الكتاب والذي من خلاله يؤكد على أهمية استثمار مختلف أنواع التقويم في مسار التعليم والتعلم كعمليتين مترابطتين تؤطرهما مؤشرات التقويم المستمر التي بها يتم الوصول إلى أفضل الطرق لنجاح العملية التعليمية بمجملها وذلك من خلال العلاج الفوري للصعوبات في مرحلة التقويم التكويني بشكل أساسي وعدم الانتظار حتى ظهور نتائج التقويم الختامي.

ويشير المرتكز الثاني إلى أهمية "ارتباط جودة التحصيل الدراسي بتنمية مهارات التفكير عند المتعلمين" وذلك بتوجيه التقويم التكويني والتقويم الختامي من أجل تشخيص التعلم وتنظيم الخبرات المعرفية واكتشاف القدرات وتنمية المهارات في حلقة البناء المعرفي. إن عملية البناء المعرفي حسب هذا المرتكز هي عبارة عن سلسلة من المراحل المتدرجة التي يجب أن يعتني بها المعلم في ممارساته التعليمية لتحقيق أفضل عائد من التعلم عند طلبته.

أما المرتكز الثالث "تنمية قدرات التفكير العليا من خلال التعليم البيئي" فإنه يقدم الصورة الجديدة لمدرسة المستقبل لتوظيف التعليم البيئي في دعم التحصيل الدراسي عند الطلبة،  حيث أشار الكاتب إلى أن التعليم البيئي ضمن هذا المرتكز هو أحد أهم صُوَر التعليم والتعلم الحديث التي تنطلق من الحياة العامة والمقوّمات الطبيعية التي يألفها الطالب ويتفاعل معها يوميًا وفي كل مكان ، وأنّ هذا النوع من التعليم يشكل قيمة مضافة للمتعلم إذا تم تقديمه في سياقات تعلمية وأساليب تقويمية مرتبطة بالأنشطة الميدانية والتطبيقات العملية الحياتية وضمن محتوى دراسي متنوع يأخذ في الاعتبار البُعد البيئي المجتمعي والتوعوي والترفيهي.

وفي المرتكز الرابع يستعرض المؤلف "مدى استثمار الدول العربية دراسة التوجهات الدولية في الرياضيات والعلوم (TIMSS)" وتحويلها من مجرد مؤشرات محلية أولية إلى طريقة عمل أساسية للارتقاء في سُلّم التحصيل الدراسي الدولي، وذلك من خلال مناقشة عدد من المحاور التعليمية التي بُنيت سياقاتها وفق مؤشرات نتائج الطلبة في المحتوى الدراسي وضمن مجالات التعلم وعناصر التقويم التي أفرزتها أداة الاختبارات التحريرية حسب دراسة TIMSS بشكل خاص.

أما المرتكز الخامس فيتحدث عن "المشاريع الإجرائية الطلابية في الوطن العربي" وتوجيه وظيفتها من أداة تقويم إلى مدخل للتكامل العلمي والتحصيل الدراسي الشامل ووسيلة تفاعلية للتعليم والتعلم الجماهيري، فيما يتناول المرتكز السادس "الاختبار الوطني والثقافة العلمية" وذلك باستثماره كأداة محلية وكذلك كنظام تقويمي موحد لتشخيص التعليم والتعلم في الوطن العربي موازي للتقويم الدولي باعتباره أحد مجالات العمل العربي المشترك في المجال التعليمي وذلك فيما يتعلق بتشخيص ومراقبة جودة الأنظمة التعليمية في الدول العربية وبناء كفاءتها الوطنية والاستفادة من خبراتها النوعية وتجاربها الناجحة والتي تتوّج بتصميم أدوات موَحدة لتقييم مستوى التحصيل الدراسي لطلبتها ومراقبة مستوى تقدم العملية التعليمية بشكل عام على مستوى منظومة التعليم في الوطن العربي الكبير.

 

ويتطرق المرتكز السابع إلى "توظيف الأساليب الإثرائية والعلاجية غير التقليدية في التحصيل الدراسي" وذلك من أجل دعم التفوق العلمي وعلاج التأخر الدراسي للطلبة من خلال برامج رعاية الموهوبين ومقرّرات تنمية المهارات الفردية، وبالنسبة للمرتكز الثامن الذي هو بعنوان "ملف أعمال وإنجاز الطالب، مرآة التعليم وعدسة التحصيل الدراسي" فإن المؤلف يرى أهمية تفعيل هذا الملف كأداة تعليمية لضبط مؤشر قياس التعلم في التقويم الناجح وليس كحافظة أوراق تجميعية لما أنجزه الطالب.

كما يقدم الكتاب في مُرتكزه التاسع "ثلاثية المنهج والتقويم والإشراف" الآلية التي يتم بها تحويل هذه الثلاثية التعليمية من هيكل إداري إلى طريقة عمل لدعم التحصيل الدراسي للطلبة، وكرؤية مقترحة للكيفية التي يُفترض أن تقوم عليها برامج تطوير العملية التعليمية لتحقيق الربط بين عناصرها الرئيسية؛ المنهج والإشراف والتقويم، وموقع المعلم في هذه العملية وفي هذه الثلاثية ودوره في منظومة بناء الخبرة الشاملة التي يحتاجها العمل المدرسي الناجح وكيفية توجيهها لخدمة التحصيل الدراسي للمتعلم.

ومن خلال المرتكز العاشر الأخير "التجديد التعليمي في الدول العربية وأثره على قناعات المعلمين لدعم التحصيل الدراسي للطلبة" يتم تسليط الضَوْء على الفعاليات والتجارب والرؤى التي انشغلت بها الأنظمة التعليمية العربية في العقود الأخيرة وتأثيرها على مستوى التحصيل الدراسي للطلبة وأهمية توجيه أهدافها لتحقيق الوقاية الدائمة للمشكلات التعليمية ومنع الإهدار التعليمي الناتج عن تجدد المشكلات وتكرار العلاجات ذاتها. كما يناقش هذا المرتكز مدى توظيف هذه الأنظمة لمؤشرات مشاركاتها الدولية في إيجاد الحلول للكثير من القضايا التعليمية التي تشترك فيها ومن ذلك؛ تفوّق الطالبات مقارنة بالطلاب، ونظام الإعادة وأثره على العلاج التحصيلي، والتراجع في المؤشرات التعليمية الدولية، ومدى الاستفادة من النتائج التحصيلية في إجراء الدراسات العلمية لتطوير القطاع التعليمي بشكل عام.

 

--:--
--:--
استمع للراديو