تمر عُمان بتحديات اقتصادية حالها حال الدول المعتمدة على سلع ناضبة أو سلع تتحكم فيها معادلة العرض والطلب العالمية مثل النفط والغاز، وبناءً على ذلك لا بُد للسلطنة من إكمال مسيرة تنويع مصادر الدخل لضمان ديمومة التنمية وتفادي-قدر الإمكان- أي مطبات اقتصادية عنيفة، ولذا كان لزامًا استمرارية استحداث برامج عملية، والتفكير في مبادرات استباقية تساهم في تحقيق الهدف الوطني الأعلى وهو ما يسمى بالتنويع الاقتصادي.
ومن هذه البرامج ما أعلنه سلطان البلاد المفدى- أعزه الله- خلال ترؤسه الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء بإنشاء "صندوق عُمان المستقبل" برأس مال قدره ملياري ريال عُماني.
وإطلاق هذا الصندوق في هذا التوقيت غاية في الأهمية، وسيحقق عدة أهداف تتواءم مع الهدف الأشمل وهو الانتقال التدريجي من النظام الريعي إلى النظم الإنتاجية للدولة، ويمكن توضيح ذلك عند شرح ذلك من النتائج المرجوة وأهمها:
التنويع الاقتصادي: وهو هدف لا ينتهي، فقد تكررت هذه الكلمة في الماضي وسوف نراها تتكرر في الحاضر والمستقبل، وذلك بسبب أن المطلوب من الحكومة أن تكمل مسيرة تنويع مصادر الدخل، وعدم وضع محفظتها الاستثمارية في نطاق ضيق، وهذا التوجه الصحيح لابد له أن يكون بشكل مستمر ومدروس، وإطلاق صندوق عُمان المستقبل ينصب في هذه الجهود.
السيولة: بمجرد إطلاق هذا الصندوق، فهذا يعطي السلطنة ميزة "الأسبقية" في اقتناص الفرص أينما وجدت، وكما يقال في العرف الاستثماري إن السيولة هي الملك "Cash is King"، فبدون الجاهزية في السيولة يقل تلقائيًا مستوى التفكير أو السعي وراء الفرص الاستثمارية.
التمكين: ليس تمكين الدولة فقط ودعمها اقتصاديا؛ بل تمكين القطاع الخاص بشكل مركز، فيمكن للقطاع الخاص أن يجد منصة متخصصة إضافية للتمويل والشراكة والنمو معًا، فهذا النوع من الصناديق الاستثمارية يبحث عن الفرص في الشركات الناشئة سريعة النمو وإن كانت عالية المخاطر، ولكنها تعمل بمعايير تجارية وتخضع للحوكمة الإدارية والمحاسبية والقانونية.
المرونة: مثل الصناديق هي صناديق جريئة وتؤمن بالمخاطرة "Venture Capital" تسعى لاقتناص الفرص الاستثمارية وخاصة في المراحل المبكرة من إنشاء الشركات التجارية، وهذا الصندوق سيكون حاضرًا وفعالًا بصور منوعة إما بالبحث عن هذه الفرص في الشركات الناشئة، أو الاستماع للأفكار التجارية الجرئية، أو التشارك مع صناديق متخصصة حول العالم، أو استقطاب هذه الاستثمارات لتكون في عُمان وتجني فوائد إضافية مثل توليد فرص وظيفية جديدة، واستقطاب رؤوس أموال أجنبية، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بشكل غير مباشر، ونقل التكنولوجيا والخبرات النوعية إلى عُمان.
تكامل المنظومة: تكامل وتنوع طرق الاستثمار هو ما تبحث عنه الدول الناجحة، وإنشاء صندوق مستقبل عُمان يعطي أفضلية في الوصول إلى الفرص الإقليمية والعالمية، وهذا الصندوق سوف يوسع من مكونات جهاز الاستثمار العُماني ويزيد من مرونته وبالتالي فرصه الربحية، خاصة وأن الجهاز يملك مكونات أخرى تغطي أوجهاً محددة مثل صندوق ركيزة أو الصندوق العُماني للتكنولوجيا وغيرها من برامج استثمارية تخصيصة تقيدها من تجاوز نطاقها المحدد سلفًا.
التوقيت: إطلاق هذا الصندوق في هذا الوقت يشير إلى تنوع أدوات الاستثمار التي تتبناها عُمان من خلال جهاز الاستثمار العُماني كالاستثمار في الأسهم والسندات أو العقار أو التكنولوجيا أو مشاريع البنية التحتية، لكن المميز في هذا الصندوق أنه يبدأ ولديه خبرات مهنية تراكمية من موظفي جهاز الاستثمار العُماني الذي يمكنهم من حوكمة الصندوق والذي سوف يتاح له الاستثمار بكل أريحية في المشاريع الناشئة من داخل أو خارج السلطنة من ناحية، أضف إلى ذلك الاستثمار في المشاريع ذات الأولويات الوطنية وتملك فيها عُمان ميزة تنافسية مثل المعادن والطاقة الخضراء والأمن الغذائي والسياحة واللوجستيات وغيرها من أولويات، فوجود هذا الصندوق سوف يشجع الآخرين الجادين "أفراد أو شركات أو صناديق" بالمشاركة الاستثمارية.
التوجهات الحكومية: الصندوق سيعمل جنبًا إلى جنب مع المبادرات الحكومية بضرورة دعم الشركات الناشئة والتي تشرف عليها هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأيضًا مع مبادرة التمويل الجماعي "Crowd Funding" التي أطلقتها الهيئة العامة لسوق المال والبنك المركزي العُماني، مما يضمن حراكًا افضل مما مضى.
إنَّ هذا الصندوق أتى في وقته، وسيكون دعامة إضافية للاقتصاد العُماني ومبادرات الاستدامة المالية الداعمة لموازنة الدولة، وخيره سيعم الوطن والمواطن بإذن الله.