الوصال- تحدث الشيخ الدكتور أحمد المقبالي عبر برنامج «هدايات» عن المفهوم الشامل للعبادة في حياة المسلم، موضحًا أن الله سبحانه وتعالى جعل العبادة شاملة لكل جوانب الحياة، فلا تقتصر على أداء الصلوات أو العبادات الشعائرية المعروفة، وإنما تمتد لتشمل كل ما يقوم به الإنسان من أقوال وأفعال إذا أخلص فيها النية لله تعالى.

النية تفرق بين العادة والعبادة
وأوضح الشيخ أن الله تبارك وتعالى أراد للعبادة أن تكون طريقًا لإعمار الأرض وتزكية النفس، وأن الإنسان قادر على تحويل عاداته اليومية إلى عبادات يتقرب بها إلى الله بمجرد استحضار القصد والنية الصادقة. فالنية هي المعيار الذي يميز بين العمل الدنيوي المجرد والعمل الصالح المقبول عند الله، مستدلًا بقوله تعالى: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». وبيّن أن الآية تدل على أن الأصل في حياة الإنسان أن تكون جميع أفعاله خاضعة لمفهوم العبادة، ما دام القصد منها هو طاعة الله وابتغاء مرضاته.

العبادة في كل تفاصيل الحياة
وتطرّق الشيخ المقبالي إلى أن الإنسان يستطيع أن يجعل كل أعماله اليومية من عبادة لله سبحانه وتعالى، سواء في بيته أو عمله أو في تعاملاته الاجتماعية، إذا نوى بذلك الخير والإصلاح. فالزوج الذي يعول أسرته وينفق عليها يمكنه أن يحتسب أجره عند الله، والموظف الذي يؤدي عمله بإتقان يمكنه أن يحوله إلى عبادة إذا استشعر أنه يخدم الناس ويؤدي واجبه بإخلاص.

أثر النية في العمل
وأشار الشيخ إلى أن من أهم ما يجب على المسلم إدراكه هو أن التفريق بين العادات والعبادات إنما يكون بالنية، فكلما سمت النية وارتقت، ارتفع قدر العمل عند الله، مهما بدا بسيطًا في ظاهره. وأضاف أن بعض الناس يقومون بأعمالهم اليومية كالعناية بالأهل أو زيارة الأقارب من باب العادة والمجاملة الاجتماعية دون نية التقرب إلى الله، فيفوّتون بذلك أجرًا عظيمًا. أما من استحضر النية الخالصة فإن عمله البسيط هذا يتحول إلى عبادة تُكتب له في ميزان حسناته.

العبادة تهذيب للسلوك
وبيّن الشيخ أن العبادات في الإسلام لم تُشرع لأداء الحركات فحسب، وإنما لتحقيق غاية أسمى وهي تهذيب السلوك وضبط النفس. فالصلاة مثلًا تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصوم يربي التقوى، والزكاة تطهر النفس من الشح والبخل، والحج يعلم الصبر والتجرد لله. وأوضح أن جوهر العبادة هو في أثرها العملي على السلوك، فكل عبادة حقيقية يجب أن تترك أثرًا طيبًا في سلوك صاحبها وأخلاقه.

النية في العلاقات الاجتماعية
وتناول الشيخ المقبالي بالشرح واقع الناس في علاقاتهم الاجتماعية، مبينًا أن كثيرين يؤدون واجباتهم الاجتماعية – كالزيارات والمشاركات في الأفراح والعزاء – من باب العرف أو المجاملة، دون أن يستحضروا فيها نية القرب إلى الله، مع أن هذه الأعمال يمكن أن تكون عبادات عظيمة الأجر لو قصد بها إدخال السرور على الآخرين أو مساندتهم في المواقف الصعبة. واستشهد بأحاديث النبي ﷺ التي تبين فضل زيارة المريض ومواساة المصاب، موضحًا أن مثل هذه الأفعال لو كانت بنية صادقة فإنها تكتب لصاحبها كأنه خرج في سبيل الله.

العبادة أسلوب حياة
وأكد الشيخ أن المؤمن الحق هو من يجعل العبادة سلوكًا دائمًا في حياته كلها، يعيشها في كل لحظة من يومه، في بيته وعمله وطرقه وعلاقاته. فالنية الخالصة قادرة على تحويل الأعمال الاعتيادية إلى أعمال رفيعة القدر عند الله، بل يمكن للإنسان أن ينال الأجر حتى على نفقاته اليومية إذا استحضر فيها نية العبادة. وأوضح أن الإسلام يريد من المسلم أن يدمج العبادة في تفاصيل حياته كلها حتى تكون شخصيته منسجمة بين القول والعمل، بين العبادة والسلوك.

جوهر العبادة الإخلاص
وختم الشيخ الدكتور أحمد المقبالي حديثه بالتأكيد على أن جوهر العبادة هو الإخلاص لله تعالى، وأن العبادة ليست مظهرًا خارجيًا بل حقيقة داخلية تُقاس بصدق النية وصفاء القلب. ودعا إلى أن يجعل المسلم نيته حاضرة في كل عمل صغير أو كبير، حتى تتحول حياته كلها إلى عبادة متصلة بالله، يعيش فيها بقلب خاشع، وسلوك مستقيم، وإيمان عميق، فيكون بحق عبدًا لله في كل تفاصيل يومه، وتكون عبادته طريقه إلى تزكية النفس ونيل رضا الله تبارك وتعالى.

لمتابعة حلقة «برنامج هدايات» عبر الرابط التالي:

تابع قناة الوصال عبر الواتساب واطّلع على آخر الأخبار والمستجدات أولاً بأول.

للانضمام:

https://whatsapp.com/channel/0029VaCrTgWAu3aWNVw28y3F

--:--
--:--
استمع للراديو