الدكتور قيس السابعي لـ«الوصال»: «مؤشراتنا تتحسن.. والاقتصاد العُماني يدخل مرحلة قوة واستدامة»
منتدى الوصال
الوصال – في برنامج «منتدى الوصال»، تحدث الدكتور قيس بن داود السابعـي، الخبير الاقتصادي والمستشار القانوني، للحديث عن «آفاق الاقتصاد العُماني.. من قوة المؤشرات إلى جاذبية الاستثمار»، مستعرضًا ملامح المشهد الاقتصادي، ومفسّرًا دلالات الأرقام والتصنيفات الائتمانية والتشريعات الجديدة على مستقبل الاقتصاد الوطني.
مؤشرات نمو تعزّز الثقة
وتناول الدكتور قيس في بداية حديثه تطور الاقتصاد العُماني بين ما قبل عام 2020 والمرحلة الحالية، مبيّنًا أن سلطنة عمان تعيش نهضة اقتصادية متجددة، وأن المؤشرات الكلية تعكس مسارًا تصاعديًا واضحًا في الأداء الاقتصادي.
وأشار إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سجّل نموًا يقدّر بنحو 5% خلال الربع الأول ومنتصف عام 2025 مقارنة بالعام السابق، موضحًا أن هذه النسبة تعكس ديناميكية إيجابية في النشاط الاقتصادي.
كما استعرض تطور الاستثمار الأجنبي المباشر، مبيّنًا أن تدفقات الاستثمار حققت نموًا تراوح بين 22 و23% في الربع الأول، لترتفع بنهاية النصف الأول من عام 2025 إلى أكثر من 30%، وبقيمة إيرادات تفوق 30 مليار ريال عُماني، على حدّ تعبيره.
ولفت كذلك إلى أن الاستثمار التراكمي في المدن الصناعية لامس سقف 8 مليارات ريال عُماني، في مؤشر على تطور القاعدة الإنتاجية والتصنيعية للسلطنة.
أما على صعيد الدين العام، فذكر أن نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي انخفضت إلى حدود 31–33% تقريبًا بعد أن كانت في مستوى مرتفع سابقًا، مؤكدًا أن هذه الأرقام «مبشّرة» وتعكس متانة مالية متنامية للاقتصاد الوطني.
مرتكزات الاستقرار الاقتصادي
وتطرّق الدكتور قيس إلى العوامل التي تعزّز استقرار الاقتصاد العُماني، موضحًا أن السياسات المتّبعة في ضبط الإنفاق العام وترشيده، وإدارة المحفظة الدينـيّة بكفاءة، شكّلت ركيزة أساسية في تحسين المؤشرات المالية.
وبيّن أن تخصيص نسب معتبرة من الميزانية لمشروعات التنمية والرفاه الاجتماعي – ومن بينها صندوق الحماية الاجتماعية – يجسّد توازنًا بين متطلبات الانضباط المالي واحتياجات المجتمع.
وأفاد بأن التوجّه نحو تنويع مصادر الدخل غير النفطية يمثل أحد أهم مفاتيح القوة في الاقتصاد العُماني، موضحًا أن سلطنة عمان تعمل على تعزيز مساهمة القطاعات الصناعية، واللوجستية، والسياحية، والقطاعات المعرفية في الناتج المحلي، بما ينسجم مع مستهدفات «رؤية عُمان 2040».
موقع استراتيجي وسلاسل إمداد مرنة
وانطلق السابعي في تحليله إلى البعد الجغرافي، موضحًا أن الموقع الاستراتيجي لسلطنة عُمان على بحار وممرات دولية حيوية – مثل بحر العرب وبحر عُمان ومضيق هرمز – يؤهلها لتكون منصة لوجستية رئيسية تربط بين الأسواق الآسيوية والإفريقية وغيرها.
وأشار إلى أن هذا الموقع، إلى جانب الاستقرار السياسي والأمني، أسهم في تعزيز جاذبية سلطنة عمان كـ«بوابة عبور» للتجارة والاستثمار في المنطقة.
وأكّد أن مرونة سلاسل الإمداد العُمانية ظهرت بوضوح خلال الأزمات العالمية؛ سواء الحروب أو التوترات الجيوسياسية أو ارتفاع الرسوم الجمركية في بعض الاقتصادات الكبرى، موضحًا أن عدم الاعتماد على مسار واحد للصادرات والواردات مكّن السلطنة من تجاوز كثير من الصدمات الخارجية بأقل قدر من التأثر.
مناطق حرة واقتصادية وموانئ تعزّز الجاذبية
وانتقل الدكتور قيس إلى دور البنية الأساسية الاقتصادية، متناولًا أهمية المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة والموانئ في رفد الاقتصاد الوطني، ومجيبًا – بلغة مبسطة – عن سؤال افتراضي: «كيف سيكون المشهد لو لم تكن هناك أعمال في الدقم، أو موانئ في صلالة، أو مناطق اقتصادية وصناعية مثل مدائن وغيرها؟».
وأوضح أن غياب هذه المناطق كان سيؤدي – نظريًا – إلى صعوبات أكبر في الأداء الاقتصادي، وارتفاعٍ في مستويات العجز، واختلالات في الاقتصادين الكلي والجزئي.
ثم استعرض خريطة المناطق الحرة، مبيّنًا أن سلطنة عمان تضم ثلاث مناطق حرة رئيسية: المنطقة الحرة بصحار، والمنطقة الحرة بصلالة، والمنطقة الحرة بالمزيونة، إلى جانب مناطق اقتصادية خاصة مثل المنطقة الاقتصادية بالدقم، وواحة المعرفة بمسقط، ومدينة خزائن الاقتصادية، ومدائن الصناعية.
كما تناول الموانئ التجارية الكبرى، مشيرًا إلى أن موانئ صحار والدقم وصلالة تشكل الأضلاع الرئيسة للحركة الملاحية والتجارية، وإلى جانبها عدد من الموانئ الأخرى مثل خصب، شناص، والسويق وغيرها، بما فيها الموانئ ذات الطابع السياحي مثل ميناء السلطان قابوس.
وربط بين هذه المنظومة المتكاملة وبين ارتفاع القدرة التنافسية للاقتصاد العُماني وجاذبيته للاستثمارات الإقليمية والعالمية.
تضخم منخفض يحافظ على قيمة الريال
وفي تبسيط للمصطلحات الاقتصادية، توقّف الدكتور قيس عند مفهوم التضخم، موضحًا للمستمعين أن التضخم يعني «ارتفاع الأسعار وفقدان المال لقيمته»، بحيث تصبح المبالغ الكبيرة لا تشتري سوى سلع قليلة.
وقارب بين المثال النظري والواقع اليومي؛ إذ أوضح أن قيمة الريال العُماني ما زالت تمكّن المستهلك من الحصول على «وجبة يومية» أو احتياجات بسيطة بأسعار مقبولة، في إشارة إلى أن مستويات التضخم في عُمان تُعد من الأدنى خليجيًا، وفق المؤشرات المتاحة.
وأكّد أن انخفاض التضخم يعد عنصرًا حيويًا في الحفاظ على الاستقرار المعيشي للمواطنين والمقيمين، ويعزّز ثقة المستثمرين في البيئة الاقتصادية.
تنويع اقتصادي وشراكات خليجية
وتناول الخبير الاقتصادي دور التنويع الاقتصادي في حماية الاقتصاد من تقلبات أسعار النفط والغاز، مؤكّدًا أن الانتقال التدريجي من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد المعرفة يعد مسارًا جوهريًا في رؤية عُمان المستقبلية.
وأشار إلى وجود منظومة داعمة للاقتصاد المعرفي تشمل مراكز الابتكار، وواحات التقنية، والبيئات البحثية في الجامعات والمؤسسات التعليمية، بما يهيئ جيلًا قادرًا على فهم آفاق الاقتصاد العُماني في المدى البعيد.
كما استعرض جانبًا من الشراكات الخليجية، متطرقًا إلى المنصة الخليجية الصناعية الموحدة التي دُشّنت في دولة الكويت، موضحًا أنها توفّر قاعدة بيانات وإحصاءات محدثة على مستوى دول مجلس التعاون، ما يسهل قرارات المستثمرين والتجّار والباحثين ويعزّز التكامل الصناعي الخليجي.
تشريعات اقتصادية حديثة ومحكمة الاستثمار
وعلى صعيد المنظومة التشريعية، استعرض الدكتور قيس مجموعة من القوانين التي أعادت صياغة الإطار القانوني للاستثمار في السلطنة، من بينها قانون استثمار رأس المال الأجنبي (50/2019) الذي أتاح للمستثمر الأجنبي التملك بنسبة 100% في معظم المشاريع، وإنشاء جهاز الاستثمار العُماني بمرسوم سلطاني (61/2020)، وقوانين الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقانون التخصيص.
ثم تطرق إلى محكمة الاستثمار والتجارة التي أُنشئت بموجب المرسوم السلطاني (35/2025)، واصفًا إياها بأنها «البيت القانوني للمستثمرين»، وأول محكمة نوعية متخصصة في نظر قضايا الاستثمار والتجارة في سلطنة عُمان.
وبيّن أن المحكمة تتميز ببنية رقمية متقدمة عبر مكتب تهيئة الدعاوى وإتاحة المحاكمات الإلكترونية، وتحديد مدد زمنية واضحة للفصل في القضايا تصل في الأصل إلى 90 يومًا قابلة للتمديد 45 يومًا لأسباب مبررة، ما يعزّز سرعة البت في النزاعات ويطمئن المستثمر على حماية حقوقه.
كما أشار إلى أن وجود هذه المحكمة يضيف بُعدًا مهمًا في التفاوض على العقود الاستثمارية الكبرى، إذ باتت السلطنة تملك جهة قضائية متخصصة يُحتكم إليها في حال نشوء خلافات أو نزاعات بين الأطراف.
التصنيف الائتماني.. بطاقة هوية الاقتصاد العُماني
وفي محور آخر، تناول الدكتور قيس التصنيف الائتماني، موضحًا أن وكالات «فيتش» و«موديز» و«ستاندرد آند بورز» تعد المرجع الرئيس في تقييم الجدارة الائتمانية للدول.
ووصف التصنيف الائتماني بأنه «بطاقة الهوية الاقتصادية» التي ينظر إليها المستثمر قبل اتخاذ قرار الاستثمار، إلى جانب البيئة الاستثمارية العامة وقدرة الاقتصاد على تحقيق الربح العادل وحماية التعويض في حال النزاعات.
وأفاد بأن سلطنة عُمان حصلت مؤخرًا على تصنيف BBB مع نظرة مستقبلية إيجابية مستقرة، وهي أولى درجات التصنيف الاستثمارية العالمية، معتبرًا ذلك إنجازًا مهمًا في مسيرة النهضة الاقتصادية المتجددة.
وقارن بين الوضع قبل عام 2020 حيث كان حجم الدين العام يلامس 22 مليار ريال عُماني ويمثّل نحو 75% من الناتج المحلي الإجمالي، وبين الوضع الراهن الذي انخفضت فيه النسبة إلى ما يقارب 31–33% فقط، معتبرًا هذا التحول نقلة نوعية في استدامة الدين العام والإدارة المالية.
تنمية مستدامة لا مؤقتة
وأوضح الدكتور قيس الفرق بين «الاقتصاد الفوري» و«الاقتصاد المستدام»، مبينًا أن بعض الاقتصادات قد تلجأ إلى حلول سريعة تُصرف ثمارها مباشرة لكنها لا تُبنى على مشاريع طويلة الأجل، بينما تسعى السلطنة – بحسب تعبيره – إلى تنمية مستدامة تقوم على مشاريع تنموية واقتصادية بعقود طويلة المدى، مثل عقود بيع الغاز والمشاريع الاستراتيجية، بحيث يستفيد منها أكبر عدد من الأجيال وعلى مدى أطول.
وأكّد أن القفزة التي حققها الاقتصاد العُماني خلال خمس سنوات فقط تُعد «قفزة باهرة»، مستشهدًا بتحسن ترتيب سلطنة عمان في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال، والتحول الرقمي، والخدمات المرتبطة بالبنية الأساسية.
الاقتصاد في لغة الصحافة
وفي جانب آخر من الحوار، تطرّق الدكتور قيس إلى تجربته كاتبًا في الشأن الاقتصادي، موضحًا أن الكتابة الاقتصادية «ممتعة لكنها تتطلب مواكبة دائمة»؛ فالأرقام والمؤشرات تتغير سريعًا، ومن ثمّ يجب أن تكون المادة الصحفية متجددة ومحدّثة، قائلاً إن «لغة الاقتصاد لغة رقمية – نسبة ومؤشر ورقم – أكثر مما هي لغة أدب وإنشاء».
وأشار إلى أن الصحفي الاقتصادي مطالب بمتابعة مستمرة لأسعار النفط، وحركة الأسهم، وقرارات البنوك المركزية في العالم، إلى جانب المؤشرات المحلية والخليجية والعالمية، حتى تكون تحليلاته أقرب للواقع وأكثر دقة.
أفق اقتصادي واعد
وأعرب الدكتور قيس بن داوود السابعي عن تفاؤله بمسار الاقتصاد الوطني، مؤكدًا أن سلطنة عمان تمضي بخطى متزنة نحو تعزيز جاذبيتها الاستثمارية وترسيخ مكانتها كاقتصاد مستقر ومتين.
لمتابعة حلقة «منتدى الوصال» عبر الرابط التالي:
تابع قناة الوصال عبر الواتساب واطّلع على آخر الأخبار والمستجدات أولاً بأول.
للانضمام:


