خلفان الطوقي يكتب حول أهمية الثقافة المالية

الوصال - خلفان الطوقي
كتبت عدة مقالات في بداية جائحة كورونا وتحديداً بعد أسبوعين من بدايتها، ومن هذه المقالات مقال بعنوان "كورونا وما بعد كورونا"، ومقال آخر بعنوان "دروس كورونا.. لا بُد أن نستفيد منها"، كما كنت أردد جملة في وسائل التواصل الاجتماعي أقول فيها "عُمان قبل كورونا ليست كما بعدها"، والواقع هو أنَّ العالم كله قبل كورونا ليس كما بعد الجائحة، وهذه المقالة أيضاً كانت الحافز لاستذكار التاريخ، واستعراض عدة دروس وأهمها: أهمية الثقافة المالية أو الوعي المالي.
الثقافة المالية دائمًا مُهمة، ولكن تكمن وتتضح أهميتها بعد كل أزمة مالية عالمية أو محلية، وهذه الأزمات لا تتوقف، وخاصة مع الأجواء الجيوسياسية المحيطة والتي تؤثر على حياتنا كأفراد ومجتمعات، ومدى التأثير يكون نسبيا، فكلما كان الاستعداد لأي أزمة قادمة مبكرا وبوعي ونضج، فإنَّ الأثر يكون بسيطاً وأخف ألما ووجعا، والعكس بالعكس.
ما حدث للعالم بعد جائحة كورونا من تسريحات من الوظائف أو تعثر وارتباك في الأعمال التجارية أو تأثر في الملاءة المالية لا بُد أن يبقى حاضرًا في الذاكرة، لأنه يمكن أن يتكرر بصورة أخرى، خاصةً وأن العالم مليء بالعناصر المحفزة للأزمات التي سوف تؤثر علينا بطريقة أو بأخرى، وبالأحرى القول إنها تؤثر على مجتمعاتنا ودولنا، وبالتالي فإن التأثير سوف يصل إلينا، والحقيقة المحزنة أنَّ أكثر الدول أو المجتمعات أو الأفراد غير المستعدة للعواصف والأزمات بكل أشكالها تعتبر هشة وسوف تتألم وتكون أكبر المتضررين جراء ما يحدث.
وعليه، فإنه من الضروري الاستعداد المبكر، ويكون ذلك من خلال التثقيف الشخصي، ويكون على مستوى الأفراد؛ فالقادم لن يكون سهلًا؛ حيث إنَّ نمط الحياة العصرية أصبح مُختلفًا، والمغريات كثيرة، والأولويات لم تَعُد كالماضي، وطرق التسويق للاستهلاك أصبحت ذكية وممنهجة، ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في الاستهلاك المبالغ فيه، كل ذلك يستدعي الوعي والنضج وتحديد الأولويات الاستهلاكية، والتثقيف الشخصي لمعنى الادخار والاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكيم والمخطط له، وبالرغم من صعوبته للبعض، إلا أنه ضرورة ملحة لقادم الأيام.
من ناحية أخرى، هناك دور آخر على الحكومة ألا تتوقف عن القيام به، فبالرغم من جهودها في نشر الوعي والثقافة المالية وخاصة في عام 2024، وبعض المبادرات من هنا وهناك، إلّا أن الجهود وحملات التوعية العصرية لا بُد أن تتضاعف في مقبل الأيام المصاحبة لموجات التضخم والأجواء الجيوسياسية المحيطة، وتقليل الدعم الحكومي في بعض الخدمات الحكومية، وانتشار الاستثمارات الوهمية والاستغلالية والتلاعب بمشاعر وعواطف البسطاء من الناس، وأولئك الذين يبيعون أحلام الثراء السريع؛ لذلك لا بُد أن لا تقل البرامج التوعوية بالثقافة المالية ولا يخفت بريقها، ويمكن لوزارتي المالية والاقتصاد والبنك المركزي العُماني ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وهيئة الخدمات المالية ووزارة الإعلام وغرفة تجارة وصناعة عُمان ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووحدة تنفيذ ومتابعة رؤية عُمان 2040 وبرنامج استدامة، تصميم وتنفيذ برامج توعوية جاذبة وعصرية تصل لكل أفراد المجتمع، وخاصةً فئة الشباب.
وأخيرًا.. إنَّ استعدادنا المبكر والمُمنهَج سوف يزيد من صلابتنا الفكرية ونضجنا ووعينا وثقافتنا المالية، ويُقلِّل من الصدمات المالية والنفسية غير المُتوقَّعة، ويُقلِّل من أي هدر مالي أو دخول البعض في استثمارات وهمية خارج نطاق حلقة الاقتصاد الوطني.