مستقبل عُمان في الهيدروجين الأخضر
الوصال - ما جعلني أتطرق إلى هذا الموضوع وأكتب عنه هو التصريح الذي نشرته قبل أيام وكالة الطاقة الدولية (IEA) بالتحول الذي تسجله سلطنة عُمان في مجال الاستثمار بالهيدروجين الأخضر الذي سيجعلها مستقبلًا في طليعة مُصدِّريه المعتمدين، وأحد اللاعبين الاساسيين على مستوى العالم.
ويُمكن فهم ما صرحت به الوكالة الدولية للطاقة من خلال تتبع الخطوات التي قامت بها سلطنة عُمان ممثلة في وزارة الطاقة والمعادن، حينها يمكن استيعاب أنه لا بُد لعُمان أن تكون رائدة ومتقدمة في هذه الصناعة المستقبلية للطاقة البديلة (الصديقة للبيئة)، وأهم هذه الخطوات ما يلي:
- التوجيه السلطاني: وهذا ما وجه به حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم-أيده الله- بتاريخ 11 أكتوبر 2022 بطبيق سياسة الوصول إلى الحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2050، وإنشاء مركز عُمان للاستدامة، والذي يمثل الحاضنة الرئيسة لجميع المبادرات الضامنة لتحقيق هذا الهدف الوطني، والتي تعمل جنبًا إلى جنب مع وزارة الطاقة والمعادن، وهيئة البيئة، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، والجامعات الحكومية والخاصة، والمراكز البحثية، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني من داخل وخارج عُمان.
- مديرية تخصصية: إذ أنشأت وزارة الطاقة والمعادن مديرية مستقلة معنية بالطاقة المتجددة والهيدروجين، تتولى مهامًا عديدة؛ وأهمها: تجهيز الإطار القانوني والتشريعي للمستثمرين المحليين والعالميين في الطاقة البديلة ومنها الهيدروجين الأخضر، وتعتبر السلطنة من حيث جاهزيتها التشريعية هي الدولة الرائدة والثانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والسادسة على مستوى العالم بناء على تقييم مركز "ريز" التابع لصندوق النقد الدولي.
- استعدادات مبكرة: هناك جهود نُفِّذت قبل عدة أعوام استعدادًا للاستثمار في الهيدروجين الأخضر، ومن ضمن هذه الجهود تأسيس تحالف باسم "التحالف الوطني للهيدروجين" النظيف أو ما يسمى اختصارًا بمصطلح "هاي فلاي" بقيادة وزارة الطاقة والمعادن في السلطنة، ويضم 12 جهة إضافية مثل هيئة تنظيم الخدمات العامة وشركة تنمية نفط عُمان وشركة تنمية طاقة عمان "EDO" وجامعة السلطان قابوس والجامعة الألمانية "GUTech" وميناء الدقم وميناء صحار وشركة BP وشركة شل وشركة OQ وشركة توتال إنرجي، ومن المتوقع انضمام جهات أخرى في المستقبل.
- خبرات تراكمية: الاستثمار في الطاقة البديلة ليس بجديد في السلطنة، فقد بدأ منذ عدة أعوام، فهناك مشاريع عديدة مثل مشروع منح (1) ومشروع منح (2)، ومشروع عبري (1) ومشروع عبري (2) للطاقة الشمسية، ومشروع محطة ظفار للرياح، والمشروع المشترك (هايبورت الدقم) لشركة أوكيو OQ وديمي البلجيكية، هذه أمثلة من المشاريع الرائدة في مجال الطاقة المتجددة جعلت من السلطنة محاط أنظار المستثمرين العالمين، أضف إلى ذلك تكوين قاعدة معرفية من القيادات البشرية العُمانية وغير العُمانية المؤهلة.
- الاستراتيجية الوطنية: وضع استراتيجية وطنية بها رؤية واضحة وأهداف وطنية محددة بالأرقام، وخطط تنفيذية تشمل الأدوار والمهام يسهل من مهمة السلطنة لتحقيق إنتاج مليون طن متري من الهيدروجين بحلول 2030 باستثمارات تصل إلى 20 مليار دولار أمريكي، و3.5 مليون طن بحلول 2040، وكمية 8 ملايين طن بحلول سنة 2050.
- ذراع تجاري واستثماري: ولكي تكتمل منظومة العمل فقد تم تأسيس شركة عُمانية متخصصة باسم "شركة هيدروجين عُمان" لتكون الذراع الاستثماري للشركة العمانية "شركة تنمية طاقة عمان EDO ، مما يسهل عليها استقبال المستثمرين المحليين والعالميين، وقد أتت هذه الخطوة ثمارها من خلال ما تم الإعلان عنه خلال الأيام الماضية من توقيع شراكات تضم تحالفات عالمية ببنود ملزمة وباستثمارات تصل إلى 20 مليار دولار أمريكي من خلال 3 مشاريع استراتيجية: تحالف أمنه، وتحالف مشروع عُمان الخضراء، ومشروع BP للأمونيا.
- توافق حكومي: يمكن أن نطلق على التوافق الحكومي لمشاريع الهيدروجين الأخضر بأنه توافق نموذجي، فكل الأطراف الحكومية توافقت على أهمية الريادة في هذا الاستثمار ويظهر ذلك جلياً من خلال الخطوات المبكرة في تهيئة البنية الأساسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر توفير مساحة شاسعة من الأراضي للاستثمار في المرحلة الأولى تصل لأكثر من 950 كيلومترا مربعا، وما ينطبق على وزارة الإسكان والتخطيط العمراني كمثال ينطبق على بقية الجهات الحكومية.
- جهود تنافسية: قمم الاستثمار في الهيدروجين الأخضر التي استضافتها السلطنة، والحضور الكثيف لها من قبل المستثمرين العالميين هو مؤشر إيجابي بأن المستقبل في هذه الطاقة البديلة الصديقة للبيئة والمتوافقة مع الأهداف العالمية للحياد الصفري الكربوني، وهناك مؤشر إيجابي لا يقل أهمية في أن عُمان ستكون قبلة للاستثمار في هذا المورد، ويكمن ذلك في الإقبال الكبير لشراء كراسة التناقص للمرحلة الأولى لمناطق الامتياز لعدد يصل إلى 40 مستثمر محلي وعالمي.
أخيرًا.. ومن الأخبار السارة الإعلان عن فوز تحالف بأغلبية كورية (64%) ومشاركة لشركة فرنسية (%24) وتايلاندية (%12) لإنشاء أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر باستثمارات تصل إلى 6.7 مليار دولار أمريكي، وحسب ما ذكر المصدر بتوقيع العقد يوم الأربعاء المقبل الموافق 21 يونيو 2023، هذا الخبر وما سبقه وما سوف يأتي من أخبار حول استثمار السلطنة في الهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة سيحقق لها عوائد عديدة؛ أهمها: توسيع الرقعة الاستثمارية، وتنويع مصادر الدخل بشكل ملحوظ ومتسارع، وتنامي إيرادات الاستثمار الأجنبي المباشر، وتوليد الآلاف من الوظائف النوعية، وجعل السلطنة في صلب الخارطة الاستثمارية العالمية، ونقطة جذب عالمية للصناعة النظيفة إذا ما تم استخدام هذه الطاقة البديلة كعامل جذب للمستثمرين العالميين، واستخدام أمثل ونموذجي للمحتوى المحلي، وبشكل تلقائي سوف تجني السلطنة العوائد غير المباشرة العديدة التي سوف يستفيد منها الجميع بإذن الله.