الوصال - علي الريامي

مع خطاب جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم (حفظه الله) في دوري الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة بمجلس عُمان يسدل الستار اليوم عن فترة سابقة من عمر التجربة الديمقراطية العمانية (مجلس الشورى المنتخب، ومجلس عمان المعين من قبل السلطان) ومفتتحا بخطابه مرحلة جديدة من العمل الوطني والأداء المؤسسي، وفق توجهات مدروسة لتتواصل بذلك التجربة العمانية "الشوروية" بما صاحبها من تطورات متتابعة تعكس الرغبة في التطوير والتجديد بما يتلاءم مع متطلبات الحاضر ويستعد من خلالها للمستقبل المقبل.

في الكلمة التي ألقها جلالته ثمّن فيها جهود مجلس عُمان وأدوارها خلال الفترات السابقة مشيداً بتلك التجربة وتكاملها مع مختلف أجهزة الدولة لتعزيز العمل الوطني، وقد أكد في كلمته على أن مجلس عُمان شريك أساسي في منظومة الدولة باعتباره سلطة تشريعية إلى جانب السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وأن على الأعضاء تحمل مسؤولياتهم المنوطة بهم بما يعزز ويثري التطور والنماء في مسيرة النهضة العمانية، كما تطرق جلالته في كلمته إلى جوانب مهمة تتعلق بالتنمية المستدامة، والإدارة المالية الكفؤة بهدف تخفيض الدين العام، وتوجيه الفوائض المالية؛ لدعم القطاعات الاجتماعية، وتحفيز النمو الاقتصادي، كما تطرق إلى مواصلة الجهود في تنويع مصادر الدخل الوطني، وزيادة الإيرادات غير النفطية، كما أشار إلى مواصلة الجهود في موضوع تبسيط الإجراءات وانسيابيتها لتصبح سمة بارزة في الأداء الحكومي. ومن جهة أخرى أكد جلالة السلطان على أهمية تنمية المحافظات وترسيخ مبدأ اللامركزية في الإدارة المحلية، مؤكداً على أدوار المجالس البلدية، وفي هذا إشارة إلى أهمية الوعي بالأدوار والاختصاصات بحيث لا تتداخل بقدر ما تتكامل.

ومن الجوانب المهمّة التي تطرق إليها صاحب الجلالة في كلمته كان الحديث عن المؤسسات التعليمية والبحثية باعتبارها أساس البناء العلمي والمعرفي، وأهمية تمكين هذا القطاع وربط مناهج التعليم بمتطلبات الاقتصاد، مشيراً في كلمته إلى التفكير العلمي والانفتاح على الآفاق الرحبة لمختلف العلوم والمعارف، وقد حث على الاهتمام بالابتكار والإبداع، واستغلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وجعل الاقتصاد الرقمي أولوية من أولويات الاقتصاد الوطني، وكل هذا يتطلب العمل على سن التشريعات المرتبطة بها. أيضاً تطرق السلطان هيثم إلى التحديات المعاصرة ومنها التغير المناخي وأهمية تسريع وتيرة العمل على مشاريع الطاقة المتجددة ووضع الأطر التشريعية، وصولاً إلى الحياد الصفري كما هو مخطط له في العام 2050.

وفي ختام كلمته نوه جلالة السلطان إلى التحديات الخارجية المتعلقة بإرساء قيم السلام والإنسانية، مشيراً إلى ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ممارسات غاشمة من قبل الكيان الصهيوني، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته والتزاماته تجاه القضية الفلسطينية، وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم والعيش بسلام، مؤكداً في ذات الوقت على الثوابت العمانية الراسخة في السياسة الخارجية. 

بذلك تتكامل الرؤى في هذه التجربة الثرية بين خيارات الشعب لتقديم ممثليهم في مختلف الولايات، وبين خيارات الحكومة في تعيين ذوي الخبرات من مختلف القطاعات ومن شتى التخصصات حسب ما نص عليه قانون مجلس عُمان، وذلك في سبيل إيجاد توليفة يفترض أن تكون قادرة على تقديم المشورة لصانع القرار.

هذا وتواكب الفترة العاشرة لمجلس الشورى والثامنة لمجلس عُمان خطة التنمية الخمسية العاشرة التي تتزامن بدورها مع بدايات العمل برؤية عمان 2040. وعليه هناك تطلعات وآمال كبيرة معقودة على المجلسين للمشاركة الفاعلة في مختلف الخطط التنموية من خلال مراجعة  مشروعات القوانين التي تتطلبها المرحلة المقبلة لمواكبة مختلف التغيرات من عمر النهضة المتجددة التي ترتكز على أولويات استراتيجية وطنية متعددة، لعل في مقدمتها تحقيق الرفاهية والحماية الاجتماعية، وتنمية المحافظات والمدن المستدامة، والتنويع الاقتصادي والاستدامة المالية، والتعليم والتعلم والبحث العلمي وبناء القدرات الوطنية، والرعاية الصحية، وغيرها من الأولويات الوطنية المرتبطة بمختلف القطاعات التنموية. ولا شك أن الاشتغال على تلك الأولويات يحتاج إلى عقول مفكرة واعية، وشراكة مجتمعية فاعلة وانسجام تام وفهم عميق للتحولات على الصعيد الداخلي والخارجي، فبناء الأوطان لا تتحقق بالأمنيات وإنما بالعمل الجاد والإخلاص والتضحيات ليبقى هذا الوطن عزيزا شامخاً يستمد من التاريخ العريق ألقه، ومن الحاضر آماله وتطلعاته.

--:--
--:--
استمع للراديو