الوصال - د.علي الريامي

لا يبدو أن حظوظ المرأة العمانية في انتخابات مجلس الشورى للفترة العاشرة أحسن من الفترات السابقة، ومؤشر ذلك يبدو واضحاً في تناقص عدد المترشحات، فمثلا كان عدد المترشحات في الفترة التاسعة 43 امرأة مشكلة ما نسبته 5.6% من إجمالي عدد المترشحين، بينما في الفترة العاشرة تقلص العدد إلى 29 بنسبة 4%، ويمكن أن نعزي هذا التراجع إلى فقدان الثقة والأمل بإمكانية النجاح والحصول على مقاعد تمثيلية في المجلس، فخيبات الأمل-إن صح التعبير-كان واقع التجارب السابقة منذ أن منح المشرّع المرأة العمانية حق التصويت، ثم حق الترشح للمرة الأولى في الفترة الثانية(1994-1997)، وكانت سلطنة عمان آنذاك أول دولة خليجية تمنح للمرأة حق الترشح لعضوية مجلس الشورى، مع التنويه أن طريقة الانتخاب في تلك الفترة كان يتم من قبل هيئة انتخابية، وليس انتخابا مباشراً من قبل عموم المواطنين ممن تنطبق عليهم شروط التصويت، وهو تم العمل به لاحقا في تطور مسيرة الشورى- ومنذ ذلك الوقت وحتى الفترة التاسعة لم يصل للمجلس سوى 7 مترشحات فقط خلال العقود الثلاثة الماضية.

هذا الثبات النسبي بقي يراوح مكانه في المشهد الانتخابي الأمر الذي يحتاج منا إلى دراسة معمّقة لبحث توجهات الناخبين والعوامل المؤثرة في إقناعهم بأهمية وجود المرأة في المجالس التشريعية كمجلس الشورى، ومن ثم التفكير في الخيارات والحلول التي يمكن طرحها لتعزيز ذلك الحضور؛ خاصة مع وجود قضايا معاصرة، يقول المنطق إنها هي الأقرب لمناقشتها من الرجل، كالقضايا المرتبطة بعمل المرأة، وقضايا الأسرة  والأمومة والطفولة، وقضايا التعليم والرعاية الصحية والنفسية، وما يعرف بالاقتصاد الأسري، والقضايا القانونية والتشريعية التي تخصها وتتعلق باهتماماتها وأدوارها المجتمعية.

تاريخياً كرّم الإسلام المرأة ورفع من مكانتها، ويكفي أن سورة بأكملها سميت باسمها وهي "سورة النساء"، ومع تأسيس نواة الدولة الإسلامية كانت المرأة حاضرة في بيعة العقبة الأولى، التي أسماها البعض بـ "بيعة النساء"، وفي خطبة الوداع أوصى الرسول الكريم(صلى الله عليه وسلم) بها خيراً، فقال: "استوصُوا بالنساءِ خيرا؛ فإنهن عندَكم عَوانٌ"، وعلى مدار التاريخ الإسلامي وحتى اليوم ضربت لنا المرأة أروع الأمثلة في حضورها اللافت في العديد من المواقف، وهناك أمثلة لنماذج كثيرة تؤكد حضورها الاجتماعي، والاقتصادي والعلمي، والسياسي والعسكري. والتاريخ العماني حافل أيضاً بمواقف عديدة كانت المرأة فيها حاضرة ومشاركة في مختلف الأحداث على مدار الفترات التاريخية، ومن النماذج على سبيل المثال لا الحصر: الشيخة عائشة الريامية، والسيدة موزة بنت الإمام أحمد، والشيخة الغالية بنت ناصر الغافرية.

ومنذ انطلاق النهضة العُمانية المباركة في 23 يوليو 1970، حظيت المرأة برعاية خاصة جسدت واقعاً ملموساً، من خلال تمكينها في مختلف القطاعات، وقد نصت التشريعات والقوانين على ذلك صراحة وفي مقدمتها النظام الأساسي للدولة في المبادئ الاجتماعية، في المادة 15:"وتكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل"،  وكان من بين المأثورات المشهورة لجلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد (رحمه الله) عن المرأة مقولته: "أن المرأة والرجل معًا يشكلان جناحي المجتمع ونهضته إلى  الأمام وتطوره نحو المزيد من التنمية والنماء والازدهار"، ومنذ 2009، خصص يوم 17 من أكتوبر من كل عام ليكون يوماً للمرأة العمانية.  وفي عهد النهضة المتجددة أكد جلالة السلطان هيثم بن طارق (حفظه الله) في خطابه يوم 23 فبراير على أهمية دور المرأة وشراكتها في بناء الوطن حيث قال: "إن شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون وأن تعمل مع الرجل جنبا إلى جنب في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية التي لا نحيد عنها ولا نتساهل بشأنها".

وبهذا التمكين غير المسبوق نالت المرأة العمانية شرف تقلد المناصب العليا، فهي وزيرة، ومكرمة في مجلس الدولة، ووكيلة وزارة، وسفيرة، ومساعد مدع عام، فضلاً عن شغلها لمختلف الوظائف في مختلف القطاعات بما في ذلك القطاع العسكري والأمني، وقبل كل ذلك هي أخت وأم ومربيّة للأجيال وأدوارها واضحة وجلية في المساهمة في البناء الوطني ماضياً وحاضراً، وأي دور وأي شرف أكبر من ذلك، وهذا دليل نجاحها في ضوء ما تمتلكه من قدرات، وكفاءة وإخلاص ومهنية، في أداء واجبها الوطني المقدّس. وفي ضوء ما سبق نعتقد من المهم أن يكون للمرأة تمثيل في مجلس الشورى يليق بمكانتها، ويساعد في استكمال دورها على مستوى المنظومة التشريعية والرقابية باعتبارها نصف المجتمع، ولا نتصور مجتمعاً يمكن أن يتقدم ويزدهر بدون المرأة، وكما قال كارل ماركس: "التغيرات الاجتماعية العظيمة مستحيلة دون ثورة نسائية، وتقدم أي مجتمع يقاس من خلال وضع المرأة فيه".

وحتى يمكن الوقوف على الأسباب التي تقف وراء ضعف تمثيل المرأة في مجلس الشورى؛ كنت قد أجريت استطلاع رأي قبل شهر تقريباً، كان عدد المستجيبين فيه من الجنسين 207 مشارك ومشاركة، وأغلبهم من حملة الشهادات الجامعية والعليا، وكان من بين المحاور سؤال عن أبرز الأسباب في ضعف تمثيل المرأة؛ فكانت إجابة 49.3 منهم بسبب ثقافة المجتمع الشرقي ونظرته للمرأة وطبيعة دورها، و25.1 بسبب أن اختصاصات مجلس الشورى لا تلائم طبيعتها الأنثوية، و15.9 لأنها لا تلقى الدعم والمناصرة من المرأة نفسها.

وبالنظر إلى المؤشرات السابقة من الواضح أن مؤشر النظرة الذكورية قد تبدو حالة عامة ومفهومة في معظم المجتمعات الشرقية، وخاصة في المنطقة العربية، أما المؤشر الثاني فمن وجهة نظري سببه الخلط الحاصل بين الأغلبية، وعدم الوعي الكافي بطبيعة اختصاصات مجلس الشورى، والخلط بينه وبين اختصاصات المجلس البلدي ذات الطبيعة الميدانية أكثر، بينما المؤشر الثالث فأعتقد أنه في الغالب له علاقة باستقلالية الرأي لدى المرأة عن الأب والزوج والأخ ضمن فكرة سيطرة الرجل على صنع القرار داخل الأسرة.

وإذا ما أردنا مقارنة حظوظ المرأة في المجالس التشريعية على المستوى العالمي والإقليمي، فيمكن الرجوع إلى المؤشرات التي أعلنت عنها الأمم المتحدة عشية يوم المرأة العالمي الذي يصادف الثامن من شهر مارس من كل عام، فالاتحاد البرلماني العالمي، أشار إلى أن المرأة تشغل ربع المقاعد البرلمانية خلال انتخابات عام 2022 في 47 دولة، بما نسبته 25.8% من المقاعد، وفي البرلمانات العالمية ما يعادل 26.5 مطلع عام 2023.

وشكلت المرأة في الدول الإسكندنافية في كل من الدنمارك والسويد والنرويج، ما نسبته 33-40% من الهيئات البرلمانية والتشريعية، كذلك هناك تقدم لمؤشر حضور المرأة إقليمياً في بعض الدول الأفريقية مثل راوندا وتنزانيا وموريتانيا، وكذلك في دول أمريكا اللاتينية مثل كوبا والمكسيك ونيكاراغوا، وفي المقابل أقل نسبة للمشاركة البرلمانية للمرأة كانت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تقدر بـ 17.8%.

وللوصول إلى نسب متقدمة مقبولة لرفع مستوى تمثيل المرأة في البرلمانات، اتجهت بعض الدول إلى وضع حلول مثل: نظام الكوتا (نظام المحاصصة النسائية)، المطبقة في 81 دولة تقريبا، حيث تصل نسبة الكوتا في بعض الدول إلى 30%، كما هو الحال في فلسطين وفي أوزبكستان، أما في موريتانيا على سبيل المثال فهناك لائحة وطنية للنساء، كل ذلك كان الهدف منه تمكين المرأة وضمان وصولها للمجالس التشريعية والبرلمانية.

وبالرغم من الإقرار بضعف تمثيل المرأة العمانية في مجلس الشورى وأنه دون مستوى الطموح، لكن لا يبدو أن هناك اقتناعا بنظام الكوتا حتى الآن من منطلق الفكرة التي تنادي أن المرأة إذ ما أرادت المنافسة فعليها أن تناضل لأجل ذلك بنفسها، وفي الاستبيان -المشار إليه آنفا-كان هناك سؤال حول نظام الكوتا وهو: "هل تعتقد أن نظام الكوتا ضروري لرفع مستوى تمثيل المرأة في مجلس الشورى وأنه الطريقة الوحيدة لذلك؟" فكانت الإجابة بـ لا: 38.6، ونعم 24.6، و36.7 كانوا محايدين.

ومن وجهة نظر شخصية لن تتمكن المرأة من رفع مستوى تمثيلها في مجلس الشورى، وتغيير الصورة النمطية دون وجود تشريع يواكب تمكينها، وإذا كان يحق لي فأنا أقترح إضافة مقعد ثالث يخصص لها في الولايات التي يتجاوز عدد سكانها 60 ألفاً ويتم التنافس عليه بين المترشحات، أو أن يخصص كوتا بنسبة 25% من إجمالي عدد المقاعد في المجلس للمرأة، وأن يتم تجريب ذلك على فترتين حتى تثبت وجودها ويكون أداؤها مشجعاً لانتخابها، مع تكثيف الوعي بمختلف الوسائل للتأكيد على أهمية وجود المرأة في المجالس التشريعية، ومن المتوقع أن يعتاد المجتمع على ذلك خاصة إذا ما أثبتت كفاءتها في التمثيل البرلماني.

--:--
--:--
استمع للراديو