محافظ شمال الباطنة لـ«الوصال»: 6.4 مليار دولار استثمارات تعزّز مكانة المحافظة الاقتصادية
العهد السعيد
الوصال ــ قدّم سعادة الشيخ محمد بن سليمان الكندي محافظ شمال الباطنة، في حلقة خاصة من برنامج «العهد السعيد» مع سالم العمري بمناسبة اليوم الوطني، قراءة واسعة لمكانة محافظة شمال الباطنة في مسار النهضة المتجددة، مؤكدًا أن المحافظة تُمثّل «قلب عُمان اللوجستي» وامتدادًا حيًّا لتاريخ الدولة البوسعيدية، وفي الوقت نفسه فضاءً رحبًا لطموحات الشباب والاستثمار والتنمية المتوازنة في الحاضر والمستقبل.
صحار والبوسعيديون
وأشار سعادته إلى رمزية الاحتفاء باليوم الوطني من ولاية صحار، بوصفها مهد قيام الدولة البوسعيدية، مستحضرًا اللحظة التاريخية التي تصدى فيها الإمام أحمد بن سعيد للغزو الخارجي وهو والٍ على صحار، لتنعقد له ثقة العمانيين في تولي شؤون البلاد، موضحًا أن تتابع الأئمة والسلاطين من هذه الأسرة الكريمة وصولًا إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – كان عنوانًا لمسار طويل من حفظ الأمن والاستقرار وترسيخ عُمان ملاذًا للأمان والتنمية. وأعرب عن امتنانه للدور التاريخي لهذه الأسرة في حمل أمانة قيادة الوطن، وللنعم المتتالية التي تنعم بها عُمان في هذا العهد الزاهر.
امتداد الأجيال
وتوقف سعادته عند الفعالية الوطنية التي أُقيمت في صحار برعاية صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب، والتي جسّدت – كما وصفها – امتدادًا بين قلعة صحار العريقة وشباب اليوم، مؤكدًا أن رمزية المكان والرعاية صنعت «عرسًا شبابيًا» حمل الكثير من الإيحاءات حول أصالة الوطن، ورسوخ تاريخه في الأرض وامتداده نحو آفاق المستقبل. وبيّن أن هذه الفعالية رسّخت لدى الشباب شعورًا عميقًا بالأمانة الملقاة على عاتقهم ليكونوا امتدادًا طبيعيًّا لإنجازات الآباء والأجداد.
محور لوجستي عالمي
وعند حديثه عن البعد اللوجستي، أوضح سعادته أن الاستراتيجية العمرانية الوطنية منحت محافظة شمال الباطنة دورًا محوريًّا كعاصمة لوجستية ومدينة اقتصادية تحمل بوادر خير كبيرة لسلطنة عُمان، بفضل تكامل عناصر القوة فيها؛ من ميناء صحار والمنطقة الحرة، إلى شبكة الطرق الحديثة، والموانئ المتعددة في السويق وشناص، مشيرًا إلى أن ميناء صحار يرتبط بنحو 550 ميناء حول العالم، وحاز مؤخرًا تصنيفًا متقدمًا ضمن أفضل الموانئ الجاذبة للاستثمارات. وأضاف أن مشروع القطار الرابط بين محافظة شمال الباطنة وإمارة أبوظبي سيكون رافدًا لوجستيًا مهمًا يعزز حركة البضائع من وإلى عُمان، إلى جانب خطط تكامل المطار مع الميناء وشبكة الطرق، ما جعل من المحافظة جسرًا حيويًّا لإعادة التصدير وتداول البضائع إقليميًا ودوليًا.
فرص استثمارية متنامية
وفي سياق ربط المنظومة اللوجستية بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أشار سعادته إلى التوسع في إنشاء المناطق الصناعية؛ من المنطقة الصناعية في صحار التي تحتضن أكثر من 354 مصنعًا، إلى المنطقة الصناعية في السويق التي بدأ العمل فيها مؤخرًا، والتوجه لإقامة منطقة صناعية في شناص مرتبطة بميناء شناص، موضحًا أن هذه البنية خلقت بيئة استثمارية ميسرة أتاحت للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أن تنمو اعتمادًا على الفرص التي توفرها الاستثمارات الكبرى. واستشهد بقصص نجاح لرواد أعمال بدأوا بمبالغ محدودة لا تتجاوز 8 آلاف دولار ليصل حجم أعمالهم لاحقًا إلى مليوني دولار، مشيرًا إلى أن قيمة الاستثمارات التي استقطبتها المحافظة في عام واحد تجاوزت 6.4 مليار دولار، وهو ما يعكس حجم الفرص المتاحة أمام رواد ورائدات الأعمال.
ريادة شبابية
وتناول سعادته «جائزة شمال الباطنة لريادة الأعمال» التي أسهمت في إبراز نماذج متميزة من شباب وشابات المحافظة، موضحًا أن لجان التحكيم – من داخل سلطنة عُمان وخارجها – أبدت إعجابها بوعي الشباب العُماني وبُعدهم المعرفي ومهارتهم في إدارة الأعمال، مؤكدًا أن الإصرار والعزيمة والقدرة على إدارة المخاطر عناصر أساسية لصناعة قصص نجاح مستدامة في ريادة الأعمال.
تواصل مع المجتمع
وفي محور التواصل المجتمعي، أوضح سعادته أن محافظة شمال الباطنة تُعد من أكثر المحافظات كثافة سكانية؛ إذ يبلغ عدد سكانها نحو 925 ألف نسمة، بينهم أكثر من 600 ألف مواطن، ما يجعلها الأولى من حيث عدد العمانيين والثانية بعد محافظة مسقط في إجمالي السكان. وأشار إلى أن مكتب المحافظ عمل خلال الفترة الماضية على تنظيم لقاءات متعددة مع شيوخ ورشداء الولايات ورجال الأعمال والشباب والمرأة والأشخاص ذوي الإعاقة، إلى جانب لقاءات مباشرة مع المواطنين تحت سقف واحد بحضور ممثلي مختلف الوزارات، إيمانًا بمبدأ أن «الحكومة تذهب إلى المواطن» لحل التحديات وتعريفه بالخدمات، خاصة في ظل التحول الرقمي المتسارع.
منصة شبابية
وبيّن أن هذه اللقاءات أسهمت في رصد الملاحظات والاحتياجات والمقترحات التنموية من مختلف فئات المجتمع، مقابل إتاحة فرصة أوسع للمواطنين لمعرفة المشاريع القائمة والمستقبلية في المحافظة. كما أشار إلى الدور المكمل لمنصة «تجاوب» التي تتيح للمواطنين والمقيمين تقديم الشكاوى والبلاغات والاقتراحات، إلى جانب أدوار المجلس البلدي وأعضاء مجلس الشورى في نقل صوت المجتمع، وتفعيل مكاتب أصحاب السعادة الولاة في استقبال المواطنين بصورة مستمرة.
وفي سياق تمكين الشباب، تحدث سعادته عن «المنصة الشبابية لمحافظة شمال الباطنة» التي استقطبت أكثر من 492 شابًّا وشابة للتسجيل، خضعوا لمقابلات واختيار، ليتم في النهاية تشكيل فريق من 30 شابًّا وشابة من الكفاءات المتميزة، تطوعوا لحمل طموحات الشباب والتعبير عنها. وأوضح أن هذه المنصة نظّمت لقاءات شبابية في عدد من الولايات؛ من بينها لقاء في نادي الخابورة بالتعاون مع مكتب الوالي، تضمن أسئلة مباشرة ونقاشات مفتوحة مع الشباب، مؤكدًا إيمانه العميق بدور الشباب في دفع العملية التنموية، وضرورة تزويدهم بالمعلومة الصحيحة في ظل ما يشهده الفضاء الرقمي من أخبار مضللة ورسائل محبِطة.
تمكين المحافظات
وتطرّق سعادته إلى نهج اللامركزية وتمكين المحافظات، موضحًا أن نظام المحافظات جاء لترسيخ هذا النهج عبر توسيع صلاحيات المحافظ، والولاة، وأعضاء مجلس الشورى، والمجالس البلدية، بحيث تتكامل أدوارهم في صنع القرار التنموي. وشرح أن القانون الجديد للمجالس البلدية منحها بعدًا تخطيطيًّا واضحًا، وأن المحافظ – بصفته رئيسًا للمجلس البلدي – يصبح أكثر قدرة على تمييز الأولويات التنموية ورفعها للجهات المعنية، بينما يواصل أعضاء مجلس الشورى دورهم الرقابي والتشريعي بالتكامل مع مجلس الدولة، في حين يترأس الولاة لجانًا محلية صحية واجتماعية وتعليمية تتلمس احتياجات المجتمع.
كما استعرض سعادته امتداد ثقافة الشورى والتشاركية في المجتمع العُماني من السبلة والمجالس التقليدية في القلاع والحصون، إلى النهج المؤسسي الذي كرّسه المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – عبر إنشاء الولايات والمناطق ثم المحافظات، وصولًا إلى مرسومي نظام المحافظات رقمي (101/2020) و(36/2022) في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، اللذين طوّرا الإطار التنظيمي للإدارة المحلية. وأكد أن مراجعة الأنظمة وتطويرها عند ظهور الثغرات يعكس رغبة مستمرة في التحسين والتكيّف مع متطلبات المرحلة.
شراكات قطاعية
وأشاد بدور مؤسسات المجتمع المدني واللجان القطاعية، مثل لجان «سنن البحر» وجمعيات الصيادين والمزارعين والحرفيين، موضحًا أن هذه اللجان – التي يترأسها الولاة ويشارك فيها أعضاء من المجالس البلدية – ساهمت في تذليل الكثير من التحديات التي تواجه القطاعات الإنتاجية، وأن تكامل أدوار الصيادين والمزارعين ومربي الماشية والنحالين ينعكس بوضوح في حركة الأسواق النشطة للخضروات والفواكه والأسماك والمنتجات المحلية في ولايات المحافظة.
خطة خمسية طموحة
وفي محور التخطيط والخطة الخمسية الحادية عشرة، أشار سعادته إلى تشكيل فريق متخصص لإعداد خطة محافظة شمال الباطنة بما ينسجم مع الخطة الوطنية لسلطنة عُمان، موضحًا أن العمل تضمن إشراك موظفي الأجهزة الحكومية وأعضاء المجلس البلدي والشباب، إلى جانب تنفيذ استبيانات ولقاءات مباشرة وحلقات عمل متخصصة، مع الاستفادة من منصات «تنافسية المحافظات» والمؤشرات التي تطلقها وزارة الاقتصاد ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، بهدف تحديد الفجوات التنموية وترتيب الأولويات. ومن المتوقع استكمال الخطة على مستوى المحافظة بحلول أبريل 2026 بعد اعتماد الخطة الخمسية الحادية عشرة على المستوى الوطني.
مؤشرات وتنفيذ
وعند الحديث عن المؤشرات، أوضح سعادته أن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات يزوّد المحافظة بصورة منتظمة ببيانات رقمية حول مختلف القطاعات، إلى جانب ما يتيحه مؤشر تنافسية المحافظات من قراءة تنموية مقارنة، إضافة إلى الدور الذي يقوم به مكتب متابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040 ودائرة التخطيط والاستثمار في المحافظة في تجميع وتحليل البيانات القادمة من مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص، بما يضمن اتخاذ قرارات مبنية على معلومات دقيقة.
مشاريع نوعية قادمة
واستعرض سعادة المحافظ عددًا من المشاريع القائمة والقادمة في ولايات شمال الباطنة، من بينها حزم من الطرق الداخلية التي طُرحت مناقصاتها في مختلف الولايات، ومشروع «الدرة» في ولاية الخابورة الذي اكتملت نسبة كبيرة من خرائطه التفصيلية، تمهيدًا لطرح مناقصة تنفيذه، إلى جانب مشاريع الواجهات البحرية في صحار وشناص وصحم، وساحة العلم في صحار، وعدد من المتنزهات في القرى التابعة لولاية الخابورة، وحدائق في ولاية السويق مثل حديقة الياسمين والحديقة المركزية التي ستُستأنف أعمالها بإسنادها لمقاول جديد. كما أشار إلى مشروع سوق لوى للخضروات والفواكه بالشراكة مع مؤسسة «جسور»، ومشاريع الطرق المعبّدة في صحم بقيمة تتجاوز 6 ملايين ريال عُماني، وأعمال تطوير جسر صحار وتوسعة موقع بيع السيارات، مؤكدًا أن الهدف من هذه المشاريع هو تعزيز جاذبية المحافظة للاستثمار وتحسين جودة الحياة للسكان وتمكين القطاع الخاص من المشاركة الفاعلة في التنمية.
تفاؤل بالمستقبل
وعبّر سعادة الشيخ محمد الكندي في ختام حديثه عن تفاؤله بمستقبل محافظة شمال الباطنة وعموم سلطنة عُمان، مؤكدًا أن وضوح الرؤية، وتمكين المحافظات، وتكامل أدوار مؤسسات الدولة، وثقة القيادة في طاقات الشباب، تشكل جميعها أساسًا صلبًا لمواصلة مسيرة النهضة المتجددة، وأن العمل المشترك كفيل بتحويل التحديات إلى فرص تنموية لصالح المواطن في الحاضر والمستقبل.
لمتابعة حلقة «العهد السعيد» عبر الرابط التالي:
تابع قناة الوصال عبر الواتساب واطّلع على آخر الأخبار والمستجدات أولاً بأول.
للانضمام:


