الطريق إلى الجبل الأخضر.. استثمار التراث وتحفيز التنمية المستدامة

الوصال - مصطفى المعمري
استعرض اللقاء الذي جمع الصحفيين المشاركين في الملتقى الصحفي بالجبل الأخضر مع سعادة محافظ الداخلية مجموعة من المواضيع خاصة تلك التي تمس واقع وتطلعات الولاية وأبنائها، في ضوء الحراك التنموي المتصاعد سياحيا، واستثماريا، وتجاريا، وعمرانيا.
إعادة تهيئة الطريق الرابط بين بركة الموز والجبل الأخضر كان أحد المواضيع الرئيسة التي تم مناقشتها في ضوء نمو عدد الزوار الذين تجاوزوا 200 ألف زائر خلال العام الماضي، وهو ما يستدعي دراسة واقعية للطريق الحالي، خاصة في المناطق شديدة الانحدار التي تمتد من بداية صعود الجبل وحتى قرية "الشيف"، فرغم اختلاف شدة الانحدار من مكان لآخر، إلا أنها ليست بعائق أمام تنفيذ مشروع يمكن جميع أنواع المركبات من صعود الجبل بسلام وأمان، لا سيما في ظل ارتفاع عدد الحوادث المرورية الناتجة عن صعوبة الطريق وعدم إلمام الكثير من السائقين بأساليب القيادة المناسبة في هكذا نوعية من الطرق الصعبة والمعقدة.
ومع الحراك السياحي والاستثماري الذي تشهده المنطقة، وتوجه الحكومة بضخ ملايين الريالات لتهيئة البنية التحتية بما يتماشى مع النمو السكاني والعمراني، أصبح تأهيل الطريق مطلبا مجتمعيا ملحا يستدعي إدراجه ضمن أجندة وبرامج الحكومة المستقبلية، إذا كنا نستهدف تحقيق الاستفادة القصوى من مقومات وفرص الاستثمار في هذه الولاية التي تستعد لمرحلة انتقالية مهمة عبر تنفيذ مجموعة من المشاريع الحيوية الواعدة، وفي مقدمتها مشروع واجهة الجبل الأخضر.
ومع توجه الحكومة إيجاد طريق بديل من محافظة جنوب الباطنة، إلا ان هذا الطريق سيخدم فقط مناطق محدودة بين شمال وجنوب الباطنة إلى محافظة مسقط، في حين يظل الطريق الحالي هو الخيار الأنسب والأقرب لمعظم سكان الجبل وزواره، من المحافظات والولايات، إلى جانب كونه أقرب لمركز المدنية الواقع في "سيح قطنة، وهو ما يستدعى بالفعل النظر في مطالب المواطنين والزوار بمعالجة المناطق المنحدرة.
النقطة الثانية فيما تم طرحه من مقترحات وأفكار ركزت على دراسة إيجاد مخططات إسكانية واستثمارية متكاملة تلبي احتياجات المواطنين والمستثمرين، في ظل شح الأراضي وهو أحد المطالب الرئيسية المطروحة، مما يتطلب العمل على إعادة تخطيط الولاية بشكل عملي ومدروس يوكب المرحلة واحتياجاتها، بجانب إيجاد خيارات إسكانية وأراضي استثمارية تحقق رؤية الحكومة وتوجهاتها في توظيف هذه المناطق اقتصاديا، ووضع رؤى تعنى باستثمار الأراضي الشاسعة الغير مستغلة خاصة تلك التي تمتلكها بعضا من الجهات الحكومية، وكيفية العمل على توظيفها اقتصاديا، واجتماعيا، عبر الاتفاق مع هذه الجهات على آليات من شأنها توظيف هذه المساحات بشكل اقتصادي واجتماعي يحقق الأهداف والتوجهات المرجوة.
الجبل الأخضر بطبيعته منطقة محدودة الأراضي، بالإضافة إلى طبيعته الجغرافية القاسية ذات التكلفة العالية، وبالتالي فوجود أراضٍ شبه مستوية بالقرب من مركز المدينة يشكل فرصة حقيقية لتوظيفها بشكل يخدم الجميع ويحقق أهداف ورؤية الحكومة في استغلال هذه المناطق السياحية لتحقيق عوائد ومكاسب مالية على الدولة، والمؤسسة، والفرد، وهنا أيضا دعوة لوزارة الإسكان والتخطيط العمراني التفكير في إنشاء مدن سياحية متكاملة ضمن مشاريع "صروح"، تتيح لأبناء الجبل فرصا للاستفادة من الخدمات التي توفرها هذا النوع من المشاريع، وتخفف من قوائم الانتظار الطويلة للحصول على قطعة أرض.
إنشاء محطة وقود متكاملة تضم مختلف الخدمات والمرافق السياحية كانت احدى المطالب حيث تم الإشارة بأن المحطة الحالية لن تتمكن من تلبية الطلب المتزايد على الوقود في المستقبل القريب. كما أن وجود محطة متكاملة سيضفي على الولاية بعدا جماليا إضافيا، خاصة أن هذا النوع من المحطات يحظى برواج كبير في المناطق السياحية وعلى الطرق الرئيسية وهو ما يعزز من قيمة ومكانة المنطقة سياحيا، ويرتقي بمستوى الخدمات المقدمة فيها.
واحدة من الجوانب المهمة ايضا تشجيع السكان على استثمار الحارات والقرى القديمة، والتي أثبتت التجربة نجاحها في استقطاب الاستثمارات وتعزيز المشهد السياحي، وقد بدأ جزء كبير من السكان بالفعل في تنفيذ مشاريع تتعلق باستثمار منازلهم القديمة، إلا أن هناك مناطق قديمة أخرى لم يتم استغلالها حتى الآن، رغم ما تمتاز به من مكونات عمرانية فريدة تعكس الهوية العمانية الأصيلة، والتي أصبحت مطلبا متزايدا للسياح والزوار، ومن أبرزها قريتا "الساب" و"البلاد" بوادي بني حبيب اللتان تواجهان خطر الاندثار، وهنا فمن المهم أخذ زمام المبادرة بالجلوس مع أهالي القرية للتوصل إلى حلول توافقية لاستثمارهما، هذا المشروع الذي تمت مناقشته لسنوات بين الجهات في وزارة التراث والسياحة وشركة "عمران" وسكان القرية لكنه لم يرى النور حتى اليوم.
إن هذه النقاط، إلى جانب النقاشات التي أُجريت في اللقاءات والندوات، تبرز أهمية الولاية كمنطقة استراتيجية تحتاج إلى تضافر الجهود المؤسسية والمجتمعية لتطويرها. فتكامل الخدمات واستثمار المقومات المتاحة يتطلب شراكة حقيقية لتحقيق التنمية المستدامة، بما يحقق تطلعات سكان الجبل الأخضر ويعزز مكانته على خريطة التنمية الوطنية ، كما أنه من الضروري أن تتكامل الجهود المؤسسية والمجتمعية لتفعيل هذه المقدرات وتوجيهها نحو إنشاء مشاريع وخدمات نوعية ترتقي بتجربة الزائر، وتجعل من الولاية وجهة سياحية متكاملة على مدار العام. ويتطلب ذلك العمل الجاد على تطوير البنية الفندقية، وتعزيز قطاع المطاعم والمرافق السياحية، إلى جانب تنمية سياحة الترفيه والمغامرات التي تجذب فئات متعددة من الزوار. كما تشكل الحارات والقرى القديمة إرثا عمرانيا وثقافيًا يستحق الاستثمار والإشراف الدقيق، ليكون رافدا اقتصاديا مستداما.
ولا يقل عن ذلك أهمية استثمار الموسم الشتوي الفريد للجبل الأخضر، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى مستويات تقارب الصفر، مما يفتح آفاقا واسعة للسياحة الشتوية. كل هذه الطموحات تتطلب رؤية واضحة، جهودا متضافرة، وتسويقا احترافا ، مع ثقة كبيرة في دور الحكومة والتنسيق المشترك بين المؤسسات لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التي تليق بهذه الولاية العريقة.