التقاعد الجديد.. حسابات معقدة ومطالب مؤجلة
مقالات رأي

الوصال - مصطفى المعمري
طرحت إذاعة "وصال" واحدا من المواضيع المهمة التي تشغل اهتمامات الرأي العام، لا سيما بين الموظفين العاملين في الجهاز الإداري للدولة ومؤسسات القطاع الخاص، وهو موضوع "التقاعد"، الذي بات يشكل هاجسا يؤرّق الآلاف من الموظفين، في ظل النظام التقاعدي الجديد، الذي جاء ـ بحسب ما يراه كثيرون ـ بعيدًا عن التطلعات والآمال المنشودة، التي كانت ترتكز على وجود نظام مرن يراعي ظروف العاملين واحتياجاتهم بعد سنوات طويلة من الخدمة قد تمتد بين 20 إلى 30 عامًا.
لقد ظل النظام التقاعدي السابق قائما لأكثر من 50 عاما، موزعا بين 10 صناديق تقاعدية، لكل منها آلياته ونُظُمه ومميزاته، وهو ما أفضى إلى تراكم عجوزات مالية بمليارات الريالات. هذه الأزمة دفعت الحكومة إلى التفكير في دمج الصناديق وإعادة تنظيمها، بهدف تحقيق العدالة المالية وضمان استدامة هذه الصناديق، إلى جانب حماية مدخرات المستفيدين وتعزيز كفاءة الإدارة المالية. وقد كان هذا التوجه مطلبا ضروريا في سبيل إعادة الهيكلة والنهوض بهذه الصناديق، بما يوفر خيارات وبدائل أكثر مرونة تراعي احتياجات وظروف الموظفين، خاصة بعد أعوام من العطاء والخدمة، وتفتح المجال أمام الكثير من الموظفين للبحث عن بدائل أخرى لإقامة مشاريعهم الخاصة، أو أولئك الذين يعانون من ظروف لا تسمح لهم بإكمال سنوات الخدمة.
إلا أن النظام الجديد جاء ـ ووفقا لآراء الكثيرين ـ محمّلا بمعدلات حسابية وخوارزميات صعبة، تتعلق بسنوات الخدمة، وشروط التقاعد المبكر، وآليات احتساب الراتب التقاعدي، ومكافآت ما بعد الخدمة، وغيرها من الشروط التي ركزت بالدرجة الأولى على الجانب المالي بهدف معالجة المشكلات المتراكمة على هذه الصناديق، دون إيلاء اهتمام كافٍ للجانب الاجتماعي الذي يراعي ظروف الموظف وأسرته والمجتمع عمومًا. وقد بدا القانون الجديد، في نظر البعض، "صارمًا" في توجهاته وقراراته، دون النظر الكافي إلى الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية المصاحبة.
وتناول اللقاء الذي اجره الأستاذ سالم العمري مع مدير دائرة الشؤون القانونية بالاتحاد العام لعمال السلطنة العديد من الجوانب القانونية المرتبطة بالنظام التقاعدي الجديد، خاصة فيما يتعلق بمدة خدمة المرأة، وآليات الخصم، واحتساب الراتب التقاعدي. فالقانون الجديد لم يُنصف المرأة العاملة، إذ بات عليها العمل لأكثر من 30 عامًا للحصول على التقاعد المبكر، أو بلوغ 55 عامًا للحصول على راتب تقاعدي كامل، ما قد يُعرضها لفقدان ما بين 50 إلى 70% من راتبها إذا ما قررت التقاعد بعد 20 عامًا فقط من الخدمة، وهو بطبيعة الحال قد يجبرهن على الاستمرار ، رغم عدم قدرة كثير من النساء على إكمال كل هذه السنوات الطويلة من الخدمة، وهو ما ينطبق على الرجل في كثير من الحالات. وهنا يتضح حجم الفروقات بين النظامين ـ القديم والجديد ـ من حيث شروط الخدمة والعمر والمكافآت، وهو ما أحدث حالة من الارتباك في خطط العديد من الموظفين الذين كانوا يطمحون إلى تقاعد مريح بعد عقود طويلة من العمل.
وفي مقالة سابقة، أشرت فيها إلى أن عجوزات صناديق التقاعد – سواء كانت 9 أو 10 – لا يُفترض أن يتحمل تبعاتها المواطن، إذ لا يمكن تحميله نتائج الإخفاقات المالية والإدارية التي وقعت خلال العقود الماضية، ولا أن يفرض عليه اليوم نظام مليء بالتعقيدات والشروط. ومن أبرز التساؤلات المطروحة في النظام الجديد: لماذا لم يتم احتساب مساهمات الموظفين الذين أتموا 20 عاما من الخدمة ضمن النظام السابق، رغم الوعود بأن من أتم 20 عامًا قبل تطبيق القانون سيُخيّر بين أفضلية النظامين، ويتم احتسابه وفقًا لما هو أصلح له؟ إلا أن المفاجأة كانت أن الموظف الذي أتم 20 عاما تنطبق عليه شروط النظام الجديد بكل تفاصيله.
إن العديد من أنظمة التقاعد حول العالم طورت آليات تتيح مرونة أكبر لتعزيز وتطوير أنظمة التقاعد، من شأنها المحافظة على الاستقرار المالي لهذه الصناديق، وفي الوقت نفسه تتيح خيارات مقبولة ومشجعة للمؤمَّن عليهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، خيار "شراء سنوات الخدمة" لمن أتم 20 أو 25 عاما، لماذا لا يتم العمل به إذا كان المستفيد سيدفع نفس تكلفة المساهمات عند بلوغه سنوات الخدمة أو السن التقاعدي؟
لقد أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – خلال ترؤسه لاجتماعات مجلس الوزراء، أهمية دراسة القوانين ومراجعتها بما يخدم الصالح العام. ومن هذا المنطلق، فإنها دعوة للجهات المختصة للنظر بجدية في معالجة الإشكاليات القائمة في النظام الجديد، ومراعاة المطالب المستحقة للعاملين، وحماية حقوقهم، وتسهيل الأنظمة والإجراءات بما يضمن مصالح الموظف وأسرته ومجتمعه، ويُعزز من الثقة في المؤسسات والأنظمة الوطنية ، المطلوب اليوم مراجعة شاملة وعادلة، تُعيد التوازن بين الاستدامة المالية والعدالة الاجتماعية، وتمنح الموظف خيارات مرنة ومضمونة تحفظ له سبل العيش الكريم. كما أن تعزيز الثقة في النظام التقاعدي لن يتحقق إلا من خلال إشراك المجتمع والاستماع لصوته، فالتقاعد ليس مجرد نهاية خدمة، بل بداية لحياة جديدة يجب أن تُبنى على الأمان، لا القلق.