الباحثة والكاتبة إيمان الحوسنية لـ «الوصال»: التحول الرقمي وغموض المستقبل المهني يرفعان معدلات الاكتئاب بين طلبة الجامعات
ساعة الظهيرة
الوصال - أوضحت الباحثة والكاتبة في علم النفس إيمان الحوسنية، في حديثها لبرنامج «ساعة الظهيرة» عبر إذاعة الوصال، أن النسبة المرتفعة من أعراض الاكتئاب بين طلبة الجامعات في سلطنة عمان تُعد «مقلقة للغاية»، مشيرة إلى أن الظاهرة لا ترتبط بجامعة واحدة، بل تمتد إلى عدد من الجامعات، وتعكس مجموعة من التحولات النفسية والاجتماعية والتعليمية التي يشهدها الجيل الجامعي.
ما أسباب ارتفاع الاكتئاب؟
وبيّنت الحوسنية أن من أهم الأسباب تغيّر طبيعة الحياة الجامعية، حيث لم يعد الطالب يشعر بالاستقرار النفسي كما في السابق حين كانت فرص العمل شبه مضمونة بعد التخرج. وأوضحت أن غموض المستقبل المهني وأزمة الباحثين عن عمل، إلى جانب ازدياد حدة التنافسية الأكاديمية، كلها عوامل تولّد ضغطًا نفسيًا كبيرًا على الطلبة. وأضافت أن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي فاقم من هذا القلق، إذ بات كثير من الطلبة يتساءلون عمّا إذا كانت تخصصاتهم الحالية ستظل مطلوبة في المستقبل، في ظل اعتماد بعض الدول على الروبوتات والأنظمة الذكية في مجالات مهنية مختلفة.
هل تغيرت العلاقات الاجتماعية؟
وذكرت الحوسنية أن الاعتماد المفرط على العلاقات الافتراضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من العلاقات الواقعية جعل الطلبة يعيشون في عزلة نفسية، مضيفة أن التعرض الطويل للشاشات يؤثر سلبًا في الدماغ ويزيد من القلق والاكتئاب، كما أثبتت الدراسات. وأشارت إلى أن الجيل الحالي أصبح أكثر قدرة على التعبير عن المعاناة النفسية، وهو جانب إيجابي، لكنه ترافق مع ظاهرة سلبية وهي «التشخيص الذاتي»، حيث أصبح بعض الأفراد يربطون أي شعور عابر بالاكتئاب أو الاضطرابات النفسية دون استشارة مختصين.
لماذا ترتفع النسبة بين الإناث؟
وتحدثت الحوسنية عن قلق الانفصال كعامل نفسي رئيسي لدى الطلبة المقيمين في الحرم الجامعي، خاصة الإناث اللاتي يبتعدن للمرة الأولى عن أسرهن، مشيرة إلى أن الذكور يكونون أكثر اعتيادًا على الخروج من المنزل. وأضافت أن نقص مهارات التكيف يفاقم الحالة النفسية، إلى جانب النزعة الكمالية لدى كثير من الطلبة الذين يربطون تقديرهم لذواتهم بالدرجات والتحصيل الأكاديمي، مما يجعلهم أكثر عرضة للإحباط عند أي إخفاق بسيط.
هل الأسر شريك في الضغط؟
وأفادت الحوسنية أن بعض الأسر تمارس ضغوطًا كبيرة على الأبناء لتحقيق معدلات مرتفعة، دون إدراك أثر ذلك على صحتهم النفسية، إلى جانب أن غياب الدعم العاطفي والاجتماعي، خصوصًا في الأسر المفككة، يجعل الطلبة أكثر هشاشة أمام القلق والاكتئاب. وأشارت إلى أن البيئة الأكاديمية في كثير من الجامعات تركّز على التحصيل والدرجات أكثر من النمو النفسي والاجتماعي، وهو ما يخلق بيئة تنافسية مرهقة تفتقر إلى مساحات التوازن والراحة.
كيف يمكن دعم الطلبة؟
ودعت الحوسنية المؤسسات الأكاديمية إلى تفعيل وحدات الإرشاد النفسي داخل الجامعات، وتنظيم أنشطة اجتماعية وفنية تُعزز الانتماء وتكسر العزلة، مع إدماج موضوعات الصحة النفسية ومهارات التكيف ضمن المناهج والبرامج الطلابية. واقترحت إقامة حلقات عمل متخصصة في إدارة الضغوط، والتأمل، واليقظة الذهنية، والنوم الصحي، والتغذية المتوازنة، إضافة إلى تدريب الأكاديميين على رصد العلامات المبكرة للاكتئاب والقلق لدى الطلبة والتعامل الإنساني معهم.
كيف نواجه الإشاعات النفسية؟
وتطرقت الحوسنية إلى خطورة اعتماد الطلبة على الذكاء الاصطناعي أو منصات الدردشة في تحليل مشاعرهم، موضحة أن بعضهم «يفضفض» لـ«شات جي بي تي» ظنًا أنه يعالج حالته النفسية، لكنها شددت على أن الاضطرابات النفسية تحتاج إلى متابعة من مختصين حقيقيين، لأن بعض الأعراض تكون وهمية أو مبالغًا فيها نتيجة التفاعل المفرط مع المحتوى الرقمي.
واختتمت الحوسنية حديثها بالتأكيد على أن التحول الرقمي غيّر بنية الحياة الاجتماعية والنفسية، وأن التعامل الواعي معه أصبح ضرورة لا رفاهية. ودعت إلى نشر ثقافة الاعتراف بالصعوبات النفسية دون مبالغة أو وصمة، معتبرة أن الجامعة ليست فقط مكانًا للتحصيل الأكاديمي، بل بيئة لتكوين الشخصية المتوازنة القادرة على مواجهة ضغوط الحياة بثقة ووعي.
لمتابعة حلقة «ساعة الظهيرة» عبر الرابط التالي:
تابع قناة الوصال عبر الواتساب واطّلع على آخر الأخبار والمستجدات أولاً بأول.
للانضمام:



