الباحث وضاح الهاشمي لـ«الوصال»: التبادل التجاري عبر المحيط الهندي شكّل الركيزة الأهم في العلاقات العُمانية الهندية عبر خمسة آلاف عام
منتدى الوصال
الوصال ــ استعرض الباحث وضاح بن ناصر الهاشمي، عضو الجمعية التاريخية العُمانية، عمق العلاقات التاريخية بين سلطنة عُمان والهند، مؤكدًا أنها تمتد لنحو خمسة آلاف عام، وأن الرياح الموسمية كانت بوابة هذا الاتصال المبكر عبر البحر، بما أتاح حركة السفن والتبادل التجاري بين سواحل الهند الغربية والسواحل العُمانية.
خمسة آلاف عام
وتناول الهاشمي خلال حديثه في «منتدى الوصال» أن هذا الامتداد الزمني الطويل ليس مجرد سرد تاريخي، بل تؤكده شواهد حضارية وكتابات ومكتشفات أثرية، من بينها إشارات إلى حضارة «ماجان» وما يرتبط بها من توثيق للتواصل التجاري، إلى جانب حضارة «ملوخا» وثقافة وادي السند، لافتًا إلى وجود كتابات ولقى أثرية في مواقع متعددة من السواحل الشرقية لعُمان، وبوجه خاص في سواحل محافظة الشرقية، كما أشار إلى كتابات هندية أرخت لهذا التواصل عبر العصور.
الريح طريق التجارة
وقال إن المحيط الهندي سهّل حركة التبادل التجاري أولًا، قبل أن يتوسع لاحقًا إلى تبادل اجتماعي وثقافي ومعرفي، موضحًا أن التأثير كان متبادلاً؛ إذ وصلت ملامح من الثقافة الهندية إلى عُمان عبر سواحل المحيط، وفي المقابل ترك العُمانيون أثرهم في الثقافة الهندية على السواحل الغربية، وخاصة في منطقة المليبار.
هجرات متبادلة
وناقش الهاشمي جانب الهجرات المتبادلة بين الجانبين، مبينًا أن التاريخ يسجل انتقال عوائل وأقوام بين عُمان والهند في الاتجاهين، مشيرًا إلى وجود جاليات وعوائل تعود جذورها إلى عُمان في مناطق مثل المليبار وكوتش وكوجرات، وفي المقابل انتقلت عوائل من الهند واستقرت في عُمان ضمن موجات هجرة متعاقبة.
محطة الفتوحات الإسلامية
وتطرق إلى مرحلة الفتوحات الإسلامية وما رافقها من حضور واتصال، متحدثًا عن رواية تاريخية تتصل بحاكم المليبار الذي ارتحل إلى مكة المكرمة، مرورًا بالجنوب العُماني، مبينًا وجود ضريح ديني في محافظة ظفار يُنسب إلى ذلك الملك الهندي، وهو ما يفسر اهتمام بعض السياح الهنود بزيارة مواقع محددة ذات صلة بهذه الرواية التاريخية.
شركات الهند الشرقية
واستعرض الهاشمي مرحلة «شركات الهند الشرقية» بوصفها محطة مؤثرة في العلاقات التجارية الحديثة، موضحًا أن البرتغاليين كانوا الأسبق، ثم تلتهم الهولندية، قبل أن تظهر «شركة الهند الشرقية البريطانية» التي تأسست – بحسب ما ذكر – في 31 ديسمبر 1600م، مبينًا أنها بدأت كشركة تجارية وأسهمت في تنشيط النقل والتجارة بين الهند وموانئ الخليج، وتوسيع التجارة البينية مع أوروبا.
البانيان وأصول المصطلح
وفي سياق الحديث عن التبادل التجاري، تناول الهاشمي هجرة تجار من إقليم «كوتش» في غرب الهند إلى عُمان في بدايات العصر الحديث، موضحًا أن هذه المجموعة عُرفت محليًا باسم «البانيان»، وهم من الديانة الهندوسية ويمثلون طبقة التجار في تراتبية المجتمع الهندوسي، وقد استقروا في مسقط تحديدًا، وكذلك في ميناء قلهات الذي كان ميناءً ضخمًا تجاريًا قبل أفوله وصعود ميناء مسقط.
أسر تجارية بارزة
وفي الجزء الثاني من اللقاء، تحدث الهاشمي عن طبيعة أعمال الأسر التجارية التي نشطت بين البلدين منذ القرن السابع عشر، مشيرًا إلى أن أول أسرة – بحسب ما ذكر – هي «دانجي مراجي شبيكة» في عام 1600م، كما تطرق إلى أسر بارزة ما زال حضورها ممتدًا حتى اليوم، ومنها «كيم جي رام داس» التي وصفها بأنها مؤثرة في الاقتصاد العُماني وقد تشرفت بالجنسية العُمانية، إلى جانب أسر أخرى مثل «بروشتم» التي تميزت بالصرافة، و«شاهناجر داس».
89 أسرة وتأثير اقتصادي
وأكد الهاشمي، مستندًا إلى ما أحصاه الباحث الدكتور إسماعيل الزدجالي، أن أكثر من 89 أسرة هندية أثرت في الاقتصاد العُماني منذ 1600م وحتى اليوم، موضحًا أن تواصل هذه الأسر عبر الأجيال يعكس عمق العلاقة الاقتصادية واستمرارها.
1820.. النقل البحري يتوسع
وأفاد بأن «كيم جي رام داس» ارتبطت في بداياتها بالمواد الغذائية والنقل البحري الذي شكل نقلة نوعية بين الهند وعُمان، لافتًا إلى وصول والد السيد «رام داس» إلى مسقط في عام 1820م في عهد السلطان سعيد بن سلطان، وأن العلاقات التجارية في تلك الفترة اتسمت بالمودة والترحاب، وهي سمة يراها ممتدة إلى اليوم.
تمور عُمان إلى كاليفورنيا
وتناول الهاشمي أحد المسارات التجارية اللافتة، مبينًا أن بعض الأسر التجارية الهندية أسهمت في نقل التمور العُمانية من ميناء مسقط إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا إلى كاليفورنيا، في مؤشر على اتساع دائرة التجارة ووصولها إلى أسواق بعيدة مبكرًا.
الموانئ الأكثر حضورًا
وعند الحديث عن الموانئ الهندية المؤثرة، أشار إلى أن الموانئ الغربية للهند كانت الأبرز في هذه الحركة، ومنها «سورات»، إضافة إلى المليبار وكوتش، مبينًا أن أغلب التجار الذين نشطوا مع عُمان قدموا من كوتش وفق ما ترويه المصادر التاريخية.
الإمارات والسلطنات الهندية
وتناول الهاشمي التواصل العُماني مع فترات الممالك والسلطنات والإمارات في الهند، مشيرًا إلى أن العلاقات التجارية كانت في عمقها، وذكر من أبرز الكيانات التاريخية «السلطنة المغولية»، وإمارات مثل حيدر آباد الإسلامية، وكشمير، وكوتش، موضحًا أن اضطرابات القرن الثامن عشر كانت ضمن أسباب هجرة بعض التجار.
المهراجا.. طبقة الأمراء
وعرّف الهاشمي مصطلح «المهراجا» بأنه يدل على طبقة الأمراء ضمن التراتبية الهندوسية، موضحًا أن هناك طبقات أخرى تحمل دلالات دينية واجتماعية، ومن أشهرها طبقة «البانيان» المرتبطة بالتجارة.
الدولة البوسعيدية والازدهار
كما ناقش الهاشمي ملامح العلاقات في العصر الحديث، مبينًا أنها بدأت منذ الإمام أحمد بن سعيد واستمرت وتطورت، وذكر أنها بلغت درجة كبيرة من الازدهار في عهد السلطان سعيد بن سلطان في القرن التاسع عشر، مع ارتفاع نشاط التجار والأسر الهندية التي عاشت في مسقط والموانئ العُمانية، في مرحلة امتدت فيها حركة عُمان إلى موانئ متعددة في المحيط الهندي.
التنافس الأوروبي وتأثيره
وأوضح الهاشمي أن الصراع الأوروبي، وخاصة التنافس البريطاني الفرنسي، كان حاضرًا في سياق المحيط الهندي، لافتًا إلى أن هذا التنافس أثّر على التجارة العُمانية الممتدة من عُمان إلى شرق أفريقيا والهند، كما أشار إلى قوى محلية وإقليمية كانت ضمن معادلة التأثير في حركة الملاحة والتجارة.
أرز ومنسوجات وإقراض
وتناول الهاشمي طبيعة البضائع المتداولة، موضحًا أن المنسوجات كانت من أبرز الواردات، إلى جانب المواد الغذائية، وعلى رأسها الأرز الذي يُعد جزءًا أساسيًا من الاستهلاك المحلي في عُمان، كما تطرق إلى جانب مالي مهم، مستشهدًا بدراسة للباحث الدكتور فهد بشارة، تحدثت عن دور التجار الهنود في الإقراض وتوفير السيولة بين الموانئ، بما دعم التجارة وأسهم في رفع الاقتصاد العُماني والخليجي آنذاك، في صورة تقارب ما يمكن وصفه بتسهيلات مالية مبكرة.
بريطانيا واتفاقيات الصداقة
وبشأن أثر البريطانيين، ذكر الهاشمي أن بريطانيا أسهمت في دعم التبادل التجاري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، مشيرًا إلى توقيع اتفاقيات صداقة بين الإمبراطورية البريطانية وعُمان، خاصة في عهد السلطان سعيد بن سلطان، وأن ذلك انعكس – وفق طرحه – على تنشيط الميزان التجاري بين عُمان والهند.
خلاصة علاقة مستمرة
واختتم الهاشمي حديثه بالتأكيد على أن العلاقة التاريخية بين البلدين قامت في المرتبة الأولى على التجارة، مع حضور تجار «البانيان» من الهندوس، إلى جانب تجار مسلمين من إقليم المليبار، مشيرًا إلى أن مسار العلاقات مر بمحطات متعددة من العهد البريطاني إلى استقلال الهند، وصولًا إلى نحو سبعة عقود من العلاقات الحديثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكدًا أن «السلم الاجتماعي» وثقافة التسامح والتعايش في سلطنة عُمان كانت عاملًا أساسيًا في استقرار الأسر الهندية واستمرارها منذ عام 1600م حتى اليوم، إلى جانب ما تتسم به عُمان من علاقات سياسية مستقرة.
وأكد في ختام اللقاء تطلعه إلى مزيد من الدراسات التاريخية المعمقة التي تتناول الأبعاد الاجتماعية والدينية والثقافية والاقتصادية للعلاقات العُمانية الهندية، بما يثري المعرفة بتاريخ هذا التواصل الممتد عبر البحر والقرون.
لمتابعة حلقة «منتدى الوصال» عبر الرابط التالي:
تابع قناة الوصال عبر الواتساب واطّلع على آخر الأخبار والمستجدات أولاً بأول.
للانضمام:


