الوصال ــ تحدث الدكتور جمعة بن مسلم العزري، أستاذ القانون الجزائي المساعد بكلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس، في برنامج «منتدى الوصال»، عن مفهوم العقوبات البديلة وأهميتها في تطوير السياسة الجنائية، موضحًا أنها تمثل توجّهًا إصلاحيًا حديثًا يسعى إلى تحقيق العدالة والردع دون الاعتماد الحصري على عقوبة السجن، وما يرافقها من آثار اجتماعية واقتصادية ونفسية.

تعريف العقوبات البديلة

وبيّن العزري أن العقوبة البديلة تُعد «جزاءً جنائيًا» يصدر بحكم قضائي بحق من تثبت مسؤوليته عن ارتكاب جريمة، وتهدف إلى الإصلاح والتأهيل والردع، مع تجنب إيداع المحكوم عليه في السجن، مؤكدًا أن هذا النوع من العقوبات يخضع لمبدأ «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، ولا يُفرض إلا عبر حكم قضائي وبعد محاكمة عادلة تتوافر فيها جميع الضمانات القانونية.

ليست فكرة حديثة

وأوضح أن فكرة العقوبات البديلة ليست مستحدثة، بل تعود جذورها إلى بدايات القرن العشرين، وبدأت تتبلور بشكل أوضح في الدول الأوروبية، قبل أن تتوسع تشريعيًا خلال العقود اللاحقة، مشيرًا إلى أن العديد من الدراسات في علم الإجرام والسياسات العقابية دفعت باتجاه البحث عن بدائل للسجن، خصوصًا في الجرائم البسيطة وقصيرة المدة.

أسباب البحث عن البدائل

وتطرق العزري إلى الأسباب التي دفعت الأنظمة القانونية إلى تبني هذا التوجه، ومن أبرزها ما أفرزته عقوبات السجن القصيرة من إشكاليات، مثل الاكتظاظ داخل المؤسسات الإصلاحية، وارتفاع التكاليف المالية، إضافة إلى الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية على المحكوم عليهم وأسرهم، فضلًا عن ضعف الأثر الإصلاحي في بعض الحالات وارتفاع معدلات العود إلى الجريمة.

الهدف واحد والوسيلة مختلفة

وأوضح أن العقوبة السجنية والعقوبة البديلة تشتركان في الهدف، وهو الإصلاح والردع والتأهيل، غير أن الاختلاف يكمن في الوسيلة؛ فالسجن يعتمد على العزل والإقصاء، بينما تقوم العقوبات البديلة على إبقاء الفرد داخل محيطه الاجتماعي، مع إخضاعه لبرامج إصلاحية تحقق الغاية ذاتها دون حرمانه من العمل أو الدراسة أو دوره الأسري.

آثار السجن القصير

وأشار إلى أن عقوبات السجن قصيرة المدة تؤدي في كثير من الأحيان إلى نتائج عكسية، من بينها الاكتظاظ داخل السجون، وصعوبة توفير برامج إصلاح فردية مناسبة، إضافة إلى المشكلات الصحية والنفسية الناتجة عن بيئة السجن، فضلًا عن الوصمة الاجتماعية التي تلاحق النزيل بعد الإفراج عنه وتؤثر في فرص اندماجه مجددًا في المجتمع.

تأثير العقوبة على الأسرة

ولفت إلى أن آثار السجن لا تتوقف عند المحكوم عليه، بل تمتد إلى أسرته، حيث قد يؤدي غيابه إلى تفكك الأسرة أو فقدان مصدر الدخل أو ضعف الرقابة على الأبناء، ما قد يفضي إلى انحرافات اجتماعية لاحقة، مؤكدًا أن هذه النتائج تجعل البحث عن بدائل أكثر إنسانية أمرًا ضروريًا.

متى تكون البدائل أنسب؟

أوضح العزري أن العقوبات البديلة تناسب الجرائم ذات الخطورة المنخفضة، مثل بعض مخالفات قانون تقنية المعلومات، والجرائم المرورية، وبعض المخالفات البيئية، وهي أفعال لا تعبّر عن خطورة إجرامية حقيقية، وقد تصدر نتيجة انفعال أو ظرف عارض، وهو ما يُعرف في علم الإجرام بـ«المجرم بالصدفة».

أمثلة على العقوبات البديلة

استعرض عددًا من النماذج العملية للعقوبات البديلة، من بينها الخدمة المجتمعية، والمراقبة الإلكترونية، ووقف تنفيذ العقوبة، والإقامة المقيّدة، والسجون المفتوحة، وبرامج التأهيل والإصلاح، مؤكدًا أن هذه النماذج طُبقت بنجاح في عدد من الدول، ويمكن مواءمتها مع البيئة العُمانية.

تجربة البحرين نموذجًا

وأشار إلى أن مملكة البحرين تُعد نموذجًا إقليميًا ناجحًا في تطبيق العقوبات البديلة، حيث استطاعت خلال سنوات قليلة خفض معدلات العودة للجريمة وتحقيق أهداف الردع والتأهيل، مؤكدًا أن التشابه الثقافي والاجتماعي يجعل الاستفادة من هذه التجربة ممكنة في سلطنة عُمان.

أساس تشريعي قابل للتطوير

وأكد العزري أن التشريع العُماني يتضمن أساسًا يمكن البناء عليه، مشيرًا إلى أن قانون الجزاء أورد بعض العقوبات التكميلية التي يمكن تطويرها لتصبح عقوبات بديلة مستقلة، مثل الخدمة المجتمعية ومراقبة الشرطة، شريطة وضع إطار تشريعي واضح ينظم مدتها وآليات تنفيذها والجهات المشرفة عليها.

العدالة التصالحية

وتناول مفهوم العدالة التصالحية، موضحًا أنها تتيح للمجني عليه دورًا في مسار العدالة، من خلال التعويض أو الصلح، بما يسهم في إزالة الشعور بالضرر ويعيد التوازن الاجتماعي، ويجعل العقوبة أكثر قبولًا وتأثيرًا.

الجزاء من جنس العمل

وأشار إلى نماذج تطبيقية صدرت فيها أحكام تضمنت أعمالًا خدمية مرتبطة بالفعل المرتكب، مثل إلزام المخالفين بأعمال تنظيف أو تشجير أو خدمة مجتمعية، معتبرًا أن هذا الأسلوب يحقق ردعًا مباشرًا ويعزز الوعي بالمسؤولية.

تحديات التطبيق

واختتم العزري حديثه بالتأكيد على أن أبرز التحديات تتمثل في الحاجة إلى تشريع متكامل ينظم العقوبات البديلة، ويحدد أنواعها ومددها وآليات تنفيذها والجهات المشرفة عليها، إلى جانب التحديات المالية والتقنية، إضافة إلى ضرورة رفع الوعي المجتمعي لتقبّل هذا النوع من العقوبات باعتباره أداة إصلاح لا تساهلًا مع الجريمة، مشددًا على أن نجاح التجربة يتطلب تكاملًا بين التشريع والتطبيق والتوعية المجتمعية.

لمتابعة حلقة «منتدى الوصال» عبر الرابط التالي:

تابع قناة الوصال عبر الواتساب واطّلع على آخر الأخبار والمستجدات أولاً بأول.

للانضمام:

https://whatsapp.com/channel/0029VaCrTgWAu3aWNVw28y3F

--:--
--:--
استمع للراديو