د. سرحان الريسي لـ«الوصال»: العهد الدولي لا يُلغي الحبس في قضايا الديون لكنه يفتح باب المراجعة القانونية وحلولًا أكثر توازنًا
منتدى الوصال
الوصال ــ تحدّث الدكتور سرحان الريسي، المحامي والمستشار القانوني والمحكّم الدولي، في برنامج «منتدى الوصال» عن الجدل الذي أثارته تغريدته الأخيرة حول واقع الحبس في قضايا الديون بعد انضمام سلطنة عُمان إلى «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية»، موضحًا أن التساؤلات التي طُرحت من قبل المواطنين جاءت طبيعية في ظل ما يواجهه كثيرون من إشكاليات قانونية ممتدة، بعضها يعود لسنوات طويلة، خاصة في القضايا المرتبطة بالديون والشيكات.
ما هو العهد الدولي؟
واستعرض الريسي الإطار القانوني للعهد الدولي، مبيّنًا أنه اتفاق دولي أُقر عام 1966 وينظم الحقوق الأساسية للإنسان، وعلى رأسها الكرامة الإنسانية والحرية، مشيرًا إلى أن سلطنة عمان صادقت عليه بموجب مرسوم سلطاني صدر في ديسمبر 2025، ليصبح جزءًا من المنظومة القانونية واجبة التطبيق، مع تسجيل بعض التحفظات المحددة التي تتوافق مع النظام الأساسي للدولة و«الشريعة الإسلامية».
ماذا تعني المادة 11؟
وتناول العلاقة بين العهد الدولي والتشريعات العُمانية، موضحًا أن كثيرًا من مبادئ العهد متجذّرة أصلًا في القوانين الوطنية، وأن المادة «11» من العهد، التي تنص على «عدم جواز الحبس بسبب الالتزامات المدنية أو المالية أو عقدية»، فتحت بابًا للنقاش حول أوامر الحبس في قضايا الديون، دون أن تعني الإلغاء الفوري أو التلقائي لها، مؤكدًا أن التطبيق ما يزال «جوازيًا» وخاضعًا لتقدير قاضي التنفيذ وفق الوقائع المعروضة أمامه.
لماذا قاضي التنفيذ؟
وناقش الريسي الفرق بين مراحل التقاضي ومرحلة التنفيذ، موضحًا أن الحبس لا يُطرح خلال نظر الدعوى أمام قاضي الموضوع، وإنما قد يُبحث في مرحلة تنفيذ الأحكام النهائية، باعتباره وسيلة «إكراه على السداد» وليس عقوبة، لافتًا إلى أن القوانين العُمانية، مثل قانون الإجراءات المدنية والتجارية وقانون تبسيط إجراءات التقاضي، قيّدت اللجوء إلى الحبس بضوابط صارمة وأتاحت للقاضي إسقاطه إذا ثبت «إعسار المدين».
الشيكات ليست حالة واحدة
وتطرّق إلى قضايا الشيكات، مبيّنًا أنها تختلف من حيث الطبيعة القانونية لاحتوائها على شق جزائي وشق مدني، موضحًا أن العهد الدولي لا يمس العقوبات الجنائية المقررة بنصوص خاصة، وإنما ينسحب أثره على «تنفيذ الأحكام المدنية» المتعلقة بقيمة الدين، بعد انتهاء الشق الجزائي إن وُجد.
آثار اجتماعية موجعة
وسلّط الضوء على الآثار الاجتماعية السلبية لأوامر الحبس، متحدثًا عن حالات واقعية لأشخاص اضطروا إلى مغادرة البلاد لسنوات طويلة هربًا من الحبس، ما ترتب عليه «تفكك أسري» وخسائر إنسانية عميقة، معتبرًا أن هذه النتائج تستدعي إعادة نظر تشريعية متوازنة تراعي مصلحة الدائن دون المساس بكرامة المدين أو استقراره الاجتماعي.
التوازن بين حقين
وتناول إشكالية تحقيق التوازن بين حق الدائن وحق المدين، مشيرًا إلى أن الإصرار على الحبس لا يحقق دائمًا الغاية المرجوة في استيفاء الحقوق، خصوصًا في القضايا الكبيرة، مؤكدًا أن كثيرًا من قضاة التنفيذ باتوا يتجهون إلى «جلسات صلح» وتسويات عملية، انسجامًا مع مبدأ «سدد وقارب»، بدلًا من الاكتفاء بإجراءات الإكراه البدني.
بدائل خارج السجن
وفي معرض حديثه عن البدائل الممكنة، ناقش الريسي تجارب دولية اتجهت إلى تقييد حركة المدين ماليًا وإداريًا بدل حبسه، مثل تجميد الحسابات، ومنع التصرف في الأموال خلال «فترة الريبة»، وتعليق بعض الامتيازات الإدارية، معتبرًا أن «الربط الإلكتروني» بين الجهات الحكومية في سلطنة عمان يتيح أدوات فعّالة لحماية الحقوق دون اللجوء إلى السجن.
مواءمة تدريجية
واختتم الريسي بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة تتطلب «إعادة صياغة تشريعية مدروسة» تستفيد من تجارب الدول الأخرى، وتوازن بين جذب الاستثمار وحفظ الحقوق، مشددًا على أن مواءمة القوانين مع العهد الدولي مسار تدريجي، ستتضح معالمه مع الوقت، في ظل التزام سلطنة عمان باحترام الاتفاقيات الدولية مع الحفاظ على خصوصية منظومتها القانونية والاجتماعية.
لمتابعة حلقة «منتدى الوصال» عبر الرابط التالي:
تابع قناة الوصال عبر الواتساب واطّلع على آخر الأخبار والمستجدات أولاً بأول.
للانضمام:


