الوصال ــ قدّم الكاتب المهتم بالشأن السياسي سالم الجهوري، عبر برنامج «ساعة الظهيرة»، قراءة موسعة للبيانين الصادرين عن وزارة الخارجية، أحدهما بشأن تطورات الأوضاع في اليمن، والآخر حول ما أُثير مؤخرًا بشأن «أرض الصومال»، متناولًا الأبعاد السياسية والإقليمية والدولية المحيطة بهما، وما تحمله المرحلة من تعقيدات وتشابكات متداخلة.

أبعاد داخلية معقّدة في المشهد اليمني

وتحدث الجهوري عن البعد الداخلي للأزمة اليمنية، موضحًا أن المشهد لم يعد مقتصرًا على انقسام تقليدي بين صنعاء وعدن، بل بات أكثر تعقيدًا مع بروز قوى وتنظيمات أخرى تسعى لفرض حضورها السياسي والجغرافي، إلى جانب مطالب قبلية ومحلية في عدد من المديريات، إضافة إلى تطلعات بعض الأطراف لإعادة تشكيل كيانات مستقلة أو شبه مستقلة.

وأشار إلى أن هذه التداخلات الداخلية جاءت في ظل تراجع الخدمات الأساسية، وتنامي الإحساس لدى بعض الفئات بالحاجة إلى حلول محلية، ما فتح المجال أمام بروز مشاريع متباينة في الرؤى والاتجاهات، بعضها يسعى لإعادة إحياء مشاريع انفصالية، وأخرى تكتفي بالمطالبة بإدارة ذاتية أو نفوذ محدود.

البعد الإقليمي وتنافس النفوذ

وتناول الجهوري البعد الخارجي للأزمة، مبينًا أن تطورات المشهد لا يمكن فصلها عن صراع النفوذ الإقليمي في منطقة شديدة الحساسية، مشيرًا إلى أن بعض القوى الإقليمية ترى في اليمن مساحة استراتيجية للتوسع السياسي والأمني، خاصة في ظل موقعه الجغرافي المطل على واحد من أهم الممرات البحرية في العالم.

وأوضح أن هذه التحركات لا تأتي بمعزل عن حسابات النفوذ في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية والأمنية الدولية، ما يجعل أي اضطراب داخلي في اليمن محل اهتمام ومتابعة من أطراف متعددة.

تحركات مرتبطة بأرض الصومال

وفي حديثه عن «أرض الصومال»، أشار الجهوري إلى أن هذه القضية ليست وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى تداعيات الحرب الأهلية الصومالية، مؤكدًا أن الإقليم ظل طوال أكثر من ثلاثة عقود يسعى إلى اعتراف دولي دون أن يحظى به رسميًا.

وبيّن أن عودة هذا الملف إلى الواجهة مؤخرًا ترتبط بتحركات سياسية جديدة، بعضها يسعى لاستثمار حالة السيولة الإقليمية، مستندًا إلى حسابات جيوسياسية مرتبطة بالموقع الجغرافي القريب من مضيق باب المندب، وما يمثله من أهمية استراتيجية عالية.

رفض عربي ومواقف واضحة

وأوضح الجهوري أن الموقف العربي، لا سيما من قبل الدول المؤثرة، جاء واضحًا في رفض أي خطوات أحادية تمس وحدة الصومال أو تفرض واقعًا جديدًا خارج الأطر الدولية، لافتًا إلى أن بيانات الرفض الصادرة مؤخرًا تعكس حرصًا عربيًا على عدم فتح باب جديد للتفكك في المنطقة.

وأشار إلى أن الموقف المصري، على وجه الخصوص، عبّر بوضوح عن رفض المساس بوحدة الأراضي الصومالية، معتبرًا أن أي اعتراف أحادي قد يفتح الباب أمام تداعيات سياسية وأمنية أوسع في الإقليم.

موقع الصومال في معادلة الأمن الإقليمي

وأكد الجهوري أن الصومال يشغل موقعًا بالغ الحساسية، سواء من حيث إشرافه على خليج عدن أو قربه من خطوط الملاحة الدولية، موضحًا أن أي زعزعة في استقراره ستنعكس مباشرة على حركة التجارة العالمية، وأمن البحر الأحمر، ومصالح دول كبرى تعتمد على هذا الممر الحيوي.

وأضاف أن هذا الواقع يجعل من الصعب التعامل مع القضية باعتبارها شأنًا محليًا فقط، بل قضية ذات أبعاد دولية تتطلب توافقًا واسعًا، وليس قرارات منفردة.

تباين المواقف الدولية

وتطرق الجهوري إلى مواقف القوى الكبرى، مبينًا أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتعاملان مع الملف من زاوية المصالح الاستراتيجية، خاصة ما يتعلق بأمن الملاحة الدولية، واستقرار خطوط التجارة والطاقة.

وأوضح أن واشنطن، رغم علاقاتها وتحالفاتها، تدرك أن أي تفكك إضافي في المنطقة قد ينعكس سلبًا على مصالحها، لا سيما في ظل التجارب السابقة التي أثبتت أن الفوضى تولّد تهديدات أمنية معقدة يصعب احتواؤها لاحقًا.

حسابات الاحتلال وتوسيع النفوذ

وأشار الجهوري إلى أن بعض الأطراف، وعلى رأسها الاحتلال، ترى في حالة التفكك الإقليمي فرصة لتوسيع نفوذها السياسي والأمني، مستفيدة من هشاشة بعض الدول والصراعات الداخلية فيها، ومحاولة تقديم نفسها كقوة ضامنة للأمن في المنطقة.

وبيّن أن هذا التوجه يرتبط بمحاولات السيطرة غير المباشرة على الممرات البحرية الحيوية، وتحقيق مكاسب استراتيجية طويلة المدى، وهو ما يثير قلق عدد من الدول العربية.

وحدة الدول مدخل للاستقرار

وشدد الجهوري على أن التجارب السابقة أثبتت أن تفكيك الدول لا يؤدي إلى الاستقرار، بل يفتح الباب أمام صراعات ممتدة، مؤكدًا أن الحل يكمن في دعم وحدة الدول، وتعزيز الحوار الداخلي، واحتواء الخلافات ضمن أطر سياسية شاملة.

وأشار إلى أن الحفاظ على وحدة الصومال واليمن يمثل مصلحة عربية وإقليمية، وليس شأنًا داخليًا فحسب، داعيًا إلى تفعيل الأطر العربية والدولية لدعم الحلول السياسية الجامعة.

دعوة لإعادة تفعيل الدور العربي

واختتم الجهوري حديثه بالتأكيد على أهمية استعادة الدور العربي الجماعي في معالجة الأزمات الإقليمية، معتبرًا أن المرحلة الراهنة تتطلب تنسيقًا عربيًا أوسع يعيد الاعتبار للعمل المشترك، ويمنع فرض الوقائع بالقوة، ويحمي استقرار المنطقة ومصالح شعوبها على المدى البعيد.

لمتابعة حلقة «ساعة الظهيرة» عبر الرابط التالي:

تابع قناة الوصال عبر الواتساب واطّلع على آخر الأخبار والمستجدات أولاً بأول.

للانضمام:

https://whatsapp.com/channel/0029VaCrTgWAu3aWNVw28y3F

--:--
--:--
استمع للراديو