الوصال - د.علي الريامي 

 من الواضح أن القصف العشوائي، وتزايد وتيرة قتل المدنيين في غزة يعد خرقاً واضحاً للقانون الدولي،  وهو جريمة حرب ضد الإنسانية وفق اتفاقية جنيف الرابعة، ومخطئ من يعتقد أن هذا القصف هو ردة فعل على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسّام الذراع العسكري لحركة حماس، وإنما هو في حقيقته استمرار للصلف الصهيوني، وإعتداءاته المستمر والمتكرر منذ عقود، فلا يكاد يمضي يوما على غزة أو غيرها من المدن والقرى الفلسطينية المحتلّة، إلا ونسمع بعمليات قتل وأسر وتهجير قسري للفلسطينيين، وهدم بيوت على رؤوس ساكنيها واستباحة متكررة لساحات المسجد الأقصى الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومنع المصلين المسلمين من دخوله.

ذنب غزة أن الله اصطفاها، واصطفى رجالها الأحرار لتكون دار رباط تدافع رغم حصارها وتجويعها عن كرامة أمة بأكملها، تقاتل جيشاً يعد من بين أقوى 18 جيشاً على مستوى العالم، ويتلقى دعماً لا محدود من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً، الذي يتعامل مع مختلف القضايا بمعايير مزدوجة واضحة؛ فمثلاً حلال على الأوكرانيين الدفاع عن بلادهم، وحرام على الفلسطينيين ذلك، وغيرها من القضايا التي يكون فيها المسلمون والعرب والمستضعفون من الشعوب الأخرى طرفاً فيها، ومن يعرف جغرافية غزة سواء من حيث طوبوغرافية الأرض أو من حيث المساحة أو من حيث الكثافة السكانية في هذه المساحة الصغيرة التي لا تتعدى 365 كم2، يدرك حجم المأساة التي يعيشها سكان القطاع.

ذنب غزة أن فيها شباب باعوا أنفسهم في سبيل الله فربح البيع ليعيشوا بعزة وكرامة، وهؤلاء الشباب قبل عقدين هم أنفسهم أطفال الحجارة، وخسر كل من اعتقد أن مفاوضات السلام مع أي كيان غاصب يمكن أن ينهي الاحتلال، ويجلب الأمان، فهؤلاء الصهاينة لا عهد لهم ولا ذمة، وإلا أين هي القرارات الأممية، وأين ذهبت اتفاقيات السلام الموقعة برعاية أمريكية أممية، ولماذا استمر بناء المستوطنات، وبأي شرعية بني الجدار العازل الذي قطّع أوصال المدن والقرى وشتت شمل العائلات الفلسطينية، ليعيشوا في غيتو بغيض، ويفرض واقعاً مأساوياً مخيباً للآمال لكل من اعتقد أن السلام والتعايش ممكن مع الصهاينة.

ذنب غزة أن فيها قوم جبّارين، حفروا الأنفاق بأيديهم لإيجاد متنفساً لهم ومخرجاً، للتخفيف من آثار الخناق المفروض عليهم منذ العام 2006م، ومن المؤسف أن هذا الحصار المستمر منذ ذلك التاريخ، لم يكن من قبل الكيان المحتل فحسب، وإنما حتى من مصر كذلك، التي تتحكم بالمعبر الوحيد الخارج عن سيطرة الاحتلال وهو معبر رفح حيث تشرف عليه السلطات المصرية والسلطة الفلسطينية برقابة أوروبية، وكان الرئيس السيسي قد أصدر في يوليو 2014م، قانوناً يقضي بتدمير الأنفاق، وتجريم كل من يحفر نفقاً، وذلك تحت ذريعة محاربة بؤر الإرهاب في شبه جزيرة سيناء.

ذنب غزة أن الأمهات الثكلى فيها تسنج في كل يوم من مآقي عيونهن خيوطاً تنسج منها أثواب العزة والكرامة لباساً لأبنائهن، فما من بيت في غزة إلا وفيه أم ثكلى، وشهيد أو أكثر، وفي المقابل في كل يوم يلدن مقاوم؛ لهذا تكشف لنا أحداث غزة المتكررة أن المقاومة ستبقى مستمرة حتى النصر بعون الله، وأن مسار المقاومة المسلحة هو الخيار الوحيد للوقوف في وجه الطغيان، وإنهاء الاحتلال، وإن على الشرفاء من أبناء الأمة شعوباً وقيادات نصرة إخوانهم في عموم فلسطين المحتلة، ومن المخجل حقاً أن يكتفى بالتنديد، وتترك غزة وحيدة تواجه العدوان الإسرائيلي.

--:--
--:--
استمع للراديو